يسود في بعض الكواليس، كما في الصالونات السياسية الموالي منها والمعارض، هَمس كثير، بل كلام كثير عن «تغيير وشيك» لحكومة حسان دياب يستند أصحابه الى معطيات بعضها مُفتعل والبعض الآخر منشأه مواقف عربية، وخليجية تحديداً، معطوفة، أو مشفوعة بمواقف غربية وأميركية أصدرت «حكم الاعدام» في حق هذه الحكومة لأنها في رأيها «حكومة اللون الواحد»، أو «حكومة حزب الله» .

وبصريح العبارة يقول الاميركيون والغربيون عموماً، وكذلك الخليجيون انّ لبنان لن يحصل بعد الآن على اي مساعدات او قروض او اي شكل من اشكال الدعم ما دامت "حكومة اللون الواحد" موجودة، وبعضهم يقول "ما دام الرئيس ميشال عون في سدة رئاسة الجمهورية"، وانّ المطلوب هو خروجه من الرئاسة، وكذلك خروج "حزب الله" من المعادلة الحكومية لأنه في رأي هؤلاء "يسيطر" على القرار اللبناني، ولأنه "مُشتبك" معهم في الميادين من لبنان الى سوريا والعراق والبحرين واليمن، وبالتالي لا يمكنهم تقديم أي دعم لحكومة "يديرها" بمعاونة حلفاء خدمة لمصالح "محور المقاومة والممانعة"، او المحور السوري ـ الايراني.

لكنّ المطّلعين على موقف "حزب الله" يتوقفون عند الكلام المتصاعد عن استقالة الحكومة او إسقاطها في الشارع، فيؤكدون انّ هذا الكلام "لا يعني ان التغيير الحكومي بات ناضجاً وانّ الاتفاق على الحكومة الجديدة قد حصل". ويضيفون: "انّ الوضع ما زال في المخاض، وان حكومة الرئيس حسان دياب "لم تجرب بعد خياراتها الكبرى، ولا تزال تتلقى اللكمات من دون ان تتمكن من الدفاع عن نفسها".

ويقول هؤلاء "انّ الافكار الدولية المطروحة وهي الاتيان بحكومة خالية من "حزب الله" وابعاده عن سلطة القرار هي افكار غير قابلة للترجمة، خصوصاً انّ القوى السياسية التي تحتضن الحكومة ليست في وارد الرضوخ لهذه الافكار، وكذلك لكل ما يُشاع عن مشروع لتطيير الحكومة، فضلاً عن انّ احداً من الافرقاء الراغبين في التغيير الحكومي ليس لديه ضمانات حيال البديل وكذلك حيال الاتفاق على هذا البديل، والمثال على ذلك العلاقات المتفجّرة بين تيار "المستقبل" و"التيار الوطني الحر" ما يعني انه يستحيل حصول اتفاق على حكومة جديدة. وقد دَلّت مواقف الرئيس سعد الحريري الاخيرة ورَد "التيار" عليها الى انّ الحريري ما زال على موقفه الرافض ان يترأس حكومة يشارك فيها رئيس "التيار الحر" النائب جبران باسيل، وأنّ الاخير يرفض تأليف حكومة لا يشارك فيها شخصياً، وما زال عند مقولة "نكون معاً او لا نكون معاً" التي طرحت إثر استقالة الحريري في تشرين الاول الماضي، وبدء البحث في حكومة جديدة اشترط الحريري لتأليفها ان تكون خالية من السياسيين وعلى رأسهم باسيل.

وفي غمرة هذا الوضع المعقّد يعتقد سياسيون قريبون من "حزب الله" انّ لبنان بحجمه الصغير قادر على الخروج من الازمة رغم كل ما يتعرّض له من تضييق وحصار، إذ انّ استعادة 4 الى 5 مليارات من الدولارات من المبالغ التي تمّ تحويلها الى الخارج من شأنها ان تغيّر مسار الاوضاع وتوقِف الانهيار المالي والاقتصادي الحاصل.

على انّ نقطة الضعف في هذا المجال، يقول هؤلاء السياسيون، هي انّ الانقسام الداخلي هو الذي يعطّل المعالجات، إذ لو كان هناك حد أدنى من التوافق الداخلي بين القوى السياسية على تنظيم الخلاف وتحييد الاوضاع الاقتصادية والمالية عن الخلافات السياسية بوجهيها الداخلي والخارجي، لكان الوضع مختلفاً عمّا هو عليه الآن.

لذلك، يلخّص هؤلاء المشهد السائد بالقول "انّ البلد هو في المخاض والاتجاهات التي سيؤول اليها لم تتبلور بعد، وانّ الكلام على التغيير الحكومي لا معنى له ويشكّل جزءاً من الضغوط الداخلية والخارجية التي تمارس على الحكومة والقوى التي تحتضنها".

وأكثر من ذلك، يقول فريق من السياسيين المعنيين والمتابعين، انّ اي كلام عن تغيير حكومي مبنيّ على قواعد مَحض محلية لن يؤدي الى اي مكان، ولن يغيّر ما في نفوس القوم حتى يغيّروا ما في أنفسهم ويتغير ما في الخارج. ما يعني انّ حكومة دياب باقية بحكم الامر الواقع حتى إشعار آخر. ويرى هؤلاء انّ غالبية الاسماء المتداولة لتولّي رئاسة الحكومة، سواء من داخل نادي رؤساء الحكومة السابقين او من خارجه، وخصوصاً من خارج المجلس النيابي ليس لديها اي ضوء اخضر خارجي، عربياً او غربياً، يدعمها او يزكّيها، وانّ بعض العاملين على التغيير الحكومي من قيادات او سياسيين مخضرمين وغير مخضرمين، إنما تتحكّم بمواقفهم خلافات وبعضها خلافات اهل البيت الواحد، وهي ما ستنكشف على حقيقتها في قابل الايام والاسابيع لتدلّ الى نشوء تحالفات سياسية جديدة تتطلبها طبيعة المواجهة الدائرة داخلياً واقليمياً ودولياً في الميادين، كما في المطابخ السياسية والديبلوماسية، والتي تَشتدّ يوماً بعد يوم كلما اقترب موعد الانتخابات الرئاسية الاميركية المقررة في تشرين الثاني المقبل.

ولذلك، فإنّ المحاولات الجارية والهادفة الى فرض تغيير الحكومة لا تعدو كونها محاولات تكتيكية تبقى قاصرة عن تحقيق خرق في النزاع الاقليمي ـ الدولي الذي بات لبنان يشكّل أحد أبرز ساحاته، وينتظر ان تتبلور نتائجه في وقت لاحق من هذا الصيف.