بعد الحملات الشرسة والوتيرة العالية السقف التي اعتمدها رئيس ​تيار المستقبل​ النائب ​سعد الحريري​ ضد ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​ والحكومة ورئيسها ​حسان دياب​ ورئيس ​التيار الوطني الحر​ النائب ​جبران باسيل​، دأب منذ فترة على التخفيف منها، ولو استمرت انتقاداته الى الحكومة ودياب، ولكن يظهر بوضوح انه حاد قليلاً عن التصويب على عون وباسيل. ووفق مصادر مطّلعة على الاحداث وما يحكى في "الصالونات السياسية"، فإن بصمات رئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري​ في هذا المجال واضحة وضوح ​الشمس​، لانه، وحسب هذه المصادر، فإن بري "يمون" على الحريري بطبيعة الحال، وقد تبيّن له (اي لبري) ان مساعيه لاعادة الحريري الى السراي الكبير ليس لها اي فرصة للنجاح، اقلّه في المدى المنظور، وعليه كان من الاضمن اعتماد مقاربة اخرى. صحيح ان الحريري استمر على وتيرة الانتقادات واطلق العنان لنواب التيار الازرق لافراغ كل ما في جعبتهم من تهجم على دياب والحكومة، ولكن في المقابل، لم تصب الرصاصات ولو بشكل "طائش" ساكن ​بعبدا​ او ميرنا الشالوحي. وتضيف المصادر نفسها ان النتيجة هي من آثار اللقاء الذي جمع الاسبوع الفائت بري وباسيل، حيث تم التطرّق الى العديد من المواضيع ومنها مساعي التهدئة بين ​بيت الوسط​ وميرنا الشالوحي، وهو امر يعلم بري انه الخطوة الاولى على مسار طويل للوصول الى تطبيع العلاقات بين الطرفين بعد كل الكلام القاسي والقطيعة التي شابتها، واستعان في هذا المجال بدور محوري لنائب رئيس ​المجلس النيابي​ ​ايلي الفرزلي​ الذي قال الكلام المعسول عن الحريري من جهة، وظهر الى جانب باسيل في اجتماع التكتل بالامس من جهة ثانية، ما اوحى بدور يلعبه في هذا المجال.

وتوضح المصادر ان برّي لم يتخلّ عن عودة الحريري الى ​رئاسة الحكومة​، وهو مستمر في مسعاه، انما اطفأ محركاته مرحلياً بعد ان استشف اجواء معاكسة لا يستهان بها وقد تقضي تماماً على الفكرة حتى قبل تبلورها، واعادة نسج الخيوط اللازمة لانجاحها مع الاطراف الباقية. هذا الامر وصل بطبيعة الحال الى الحريري، فعكسه من خلال تصريحات ابقت حماوتها على دياب وحكومته، وشدد على عدم رغبته في العودة الى السراي الكبير، محاولاً تصويب المشاكل واقتراح حلول لها.

وبناء على ذلك، تعززت فرص بقاء الحكومة الحالية على حالها، ونجح دياب في البقاء على قيد ​الحياة​ سياسياً، على الرغم من انه يعاني من ثقل المشاكل التي يواجهها والتي استطاعت تكبيل يديه حتى الآن فلم تتخذ الحكومة قرارات جريئة كان يجب ان تظهر بعد اسابيع قليلة على ابصارها النور، وها هو يتمسك بالامل عبر التوجه شرقاً وغرباً وعربياً واوروبياً لجعل بصيص الامل الذي تحدث عنه بالامس في جلسة ​مجلس الوزراء​ ينمو قدر الامكان.

بقاء الحكومة لم يأت دون اثمان، ويبدو انها ستستمر في التخبط في المشاكل السابقة و​الجديدة​، بشكل يضمن الهاءها عن ​تحقيق​ اي انجاز حقيقي ملموس تتسلح به للبدء بالخطوة الاولى لاستعادة ثقة الداخل قبل الخارج، فيما المصلحة الخاصة للاعبين المحليين تتغلب في كل مرة على مصلحة البلد.

في الخلاصة، يبدو ان "مهادنة" الحريري واقعية، ليس حباً بالمصلحة العامة، ولا كرهاً بالكرسي، بل للتأقلم مع الظروف الحالية التي تفرض هذا النوع من الكلام والمواقف، بشهادة بري الذي لم يرفع الراية ​البيضاء​ لاعادة الحريري، بل توقف لفترة من اجل التقاط الانفاس وكي تهدأ النفوس الغاضبة وتبرد الاعصاب بعض الشيء، فتصبح الارض خصبة مجدداً لزراعة فكرة تسلم الحريري رئاسة الحكومة من جديد.