تعيش ​الولايات المتحدة الاميركية​ اليوم فترة قد تكون الاصعب على مرّ تاريخها، من النواحي كافة. صحيح ان الاميركيين يعلّقون اهمية قصوى على الشؤون الاقتصادية والمالية ويعتبرونها "كفة الميزان" في تفضيلهم لشخصية على اخرى في الانتخابات الرئاسية، لكن ما يعانون منه اليوم يتخطى هذه المشكلة ليصل الى مشاكل تتعلق بالجوهر والمبادىء وحتى التاريخ الاميركي، دون ان ننسى مدى القلق الكبير الجاثم على صدر الجسم العسكري الاميركي بسبب التطور الكبير الذي لحق بالشق العسكري لدى ​الصين​ و​روسيا​، وبالاخص الدب الابيض الذي لا يزال الاميركيون يتوجّسون منه شراً.

كل هذه التطورات تفرض نفسها قبيل موعد الانتخابات الرئاسية الاميركية، وتضع الرئيس الحالي ​دونالد ترامب​ امام موقف اكثر من حرج، فهو من ناحية يقف شبه عاجز امام مشكلة تفشي وباء ​كورونا​ في الولايات المتحدة والضحايا التي يتكاثر عددها يوماً بعد يوم دون القدرة على تعامله معها بنجاح، ومن ناحية اخرى يبقى الرئيس ترامب في قفص الاتهام لناحية فشله في اثبات نفسه انه الى جانب جميع الاميركيين اياً كان جنسهم ولون بشرتهم، ناهيك عن الاتهام الاكبر والاعظم بأنه على تواصل وعلاقة طيبة مع الروس منذ انتخابه، ولا يزال. لن يتمكن ترامب هذه المرة من اللجوء الى سلاحه الاوحد والاكثر ثقة بالنسبة اليه، وهو المال، لان كورونا والازمة مع الصين والعلاقات المتوترة مع الدول الصديقة والحليفة، وضعته في عزلة يصعب الخروج منها واسقطت كل ما بناه خلال السنوات الاربع الماضية في هذا السياق. ويبدو ان القلق الحقيقي الذي ينتابه اليوم، يتعلق بكيفية تعاطيه مع "الموجة" الجديدة التي خلّفها مقتل ​جورج فلويد​ وطريقة التعاطي الشعبي معها، حيث وصل الامر الى حد التململ من التاريخ الاميركي عبر اسقاط تماثيل لشخصيات مكرّمة منذ اجيال، ومنها على سبيل المال لا الحصر كريستوفر كولومبوس، الرئيس يوليسيس غرانت (الجنرال الاميركي الذي انهى الحرب الاهليّة)، وكاتب النشيد الوطني فرانسيس سكوت كي. هذه العقلية الجديدة، لم يتأقلم معها ترامب، وتصدى لها بطريقة غير موفّقة جعلت شعبيته تتراجع اكثر فأكثر، ليعود الى نقطة البداية ويستذكر ترشحه السابق للانتخابات عام 2016 حين كان متأخراً عن منافسته الديمقراطية ​هيلاري كلينتون​ في ترجيحات قبل ان يخطف الفوز بشكل غير متوقع. غير ان الوضع اليوم ولو كان مشابهاً من حيث الترجيحات الا انه مغاير تماماً، فالحماسة موجودة لدى الجميع للاقتراع، ولن تجلس ايّ شريحة في المنزل، والتوجه العام بات معروفاً بفعل الاحتجاجات والتظاهرات التي حصلت، لذلك يرى البعض ان ترامب قد يلجأ الى الاستعانة بالرئيس الروسي ​فلاديمير بوتين​ لانقاذه من هذه الورطة، ولكن المشكلة تكمن في كيفية اتمام هذه العملية الانقاذية، دون لفت الانظار. ولا شك ان هناك مصلحة روسيّة في بقاء ترامب في سدّة الرئاسة، على الرغم من كل السيّئات التي تشوب العلاقة غير الرسميّة بين البلدين وبعض الخطوات التي اتخذها ترامب واعتُبرت بأنها "قاسية" بحق الروس.

يجد الرئيس الاميركي نفسه اليوم امام حائط مسدود، وهذا ما قد يدفعه الى الرهان بكل ما يملك على الحصان الروسي لانقاذه، ولكنه هذه المرة سيصطدم بتكتل عريض مناهض له ولهذه الخطوة، وقوامها اضافة الى الديمقراطيين: قسم كبير من الشعب الاميركي، وعقلية جديدة بدأت تغزو افكار الشباب ومتوسطي الاعمار، والطبقة العسكرية التي لا تستسيغ احتمال تراجعها امام التطور الصيني والروسي، وعدم قدرة الرأسماليين على دعمه كما في السابق.

باختصار، كل العوامل تصب في خانة سقوط ترامب في الانتخابات، فهل ستتمكن حنكة بوتين وعقله الاستخباراتي من تخطّي كل هذه العوائق واحداث المفاجأة الكبرى التي ستضع ترامب في القفص الروسي؟.