في الوقت الذي كان فيه ​اللبنانيون​ ينتظرون مساراً جديداً في ​الحياة​ السياسية، بعد السابع عشر من تشرين الأول الماضي، يقوم على الإصلاح و​مكافحة الفساد​ بعد أن خرجوا إلى الشارع منتفضين ضد السياسات التي كانت معتمدة على مدى سنوات، يبدو أنّ ​السلطة​ السياسية لم تجد من وسيلة لمعالجة ​الأزمة​ المالية والإقتصادية إلا "التسوّل" باسمهم، حتى بات مصيرهم على كل لسان، في الشرق أو الغرب، وبالتالي تزداد الدعوات إلى تقديم ال​مساعدات​ لهم كي لا يموتوا جوعاً.

حتى الآن، لا يبدو أن هذه السلطة قادرة على إيجاد أيّ حلول أخرى، فهي تعوّدت على هذا الأسلوب، ولا يبدو أنّها في طور التخلّي عنه، بل على العكس من ذلك تمعن فيه يوماً بعد آخر، وتسعى للبحث عن أبواب جديدة له، بدل أن تعمد للبحث عن معالجة أسس المشكلة، التي تتحمل هي نفسها الجزء الأكبر منها بسبب السياسات المعتمدة من قبلها طوال الفترة الماضية.

قد يكون من الصادم، أن يسمع اللبنانيون بأنّ دولاً تعاني من ظروف إقتصاديّة وماليّة شبيهة بتلك التي تمر بها بلادهم ترفع الصوت عالياً بسبب أوضاعهم، وتدعو إلى مساعدتهم لتفادي ما هو أخطر، في حين هم يشعرون بالحسرة على الواقع الذي أوصلتهم إليه السلطة التي "تتسول" اليوم بإسمهم، خصوصاً أن الدول المقصودة لا يبدو أنها في وارد تقديم أيّ مساعدة شبيهة بتلك التي كانت تقدّمها في الماضي، بل تطرح أن تقديم واد غذائيّة أو طبّية.

نعم "الإعاشة" التي كانت قوى السلطة تمنّن المواطنين بها، بعد أن كانت تسرق موارد ​الدولة​ وما يأتي من مساعدات أو قروض، ستصبح، في الأيام المقبلة، دوليّة، بعد أن كانت بعض الدول قد عمدت للبدء في توزيعها على عدد من المناطق، على أن تقوم تلك القوى، بعد ذلك، بتقديم ما تحقق على هذا الصعيد على أساس أنه بمثابة "إنجاز" تستحق الثناء والتقدير عليه.

أكثر ما قدر يفرح القلوب في ما يحصل من مفاوضات مع الجهات المانحة، الإقليمية أو الدولية، هو أنها تعمل مع هذه القوى على أساس أنها لا تستحقّ الثّقة، وبالتالي لن تقدّم لها المبالغ الماليّة خوفاً من سطوها عليها مجدداً، بدليل الدعوات إلى الإصلاح ومكافحة الفساد التي تهطل عليها من تلك الجهّات بشكل يومي، في حين أنّ من هم في موقع المسؤوليّة متردّدون أو عاجزون أو غير راغبين في القيام بأي خطوة جدية.

أقلّ ما يمكن أن يقال في ما تقوم به قوى السلطة اليوم أنه "ذُلّ" وطني، وضع البلاد على كل لسان، سواء في الشرق أو الغرب، في حين هي تنقسم في تبادل الإتّهامات السّياسية حول أسباب المشكلة، من خلال الحديث عن حصار أميركي وعربي أو عبر توجيه الإتهامات إلى مسؤوليّة "​حزب الله​" عمّا وصلت إليه الأوضاع، بينما الدعوات إلى الإصلاح أو مكافحة الفساد تضيع في دهاليزها، بدليل عدم توقيف فاسد واحد أو لصّ وسارق واحد رغم كل الجرائم التي تتحدث بها القوى نفسها.

في المحصّلة، تفتقد هذه القوى إلى أيّ ثقة بها، داخلياً وخارجياً، لكنّها بدل أن تسعى إلى كسب ثقة مواطنيها أولاً تبحث عن الرضى الخارجي، الذي لن يأتي من دون تقديم المزيد من التنازلات، للحصول على مجموعة من "الإعاشات"، لتعود إلى سرقتها وتوزيعها على أتباعها لاحقاً، أو "​تمنين​" اللبنانيين بها وكأنهم لا يبحثون إلا عن المأكل والمشرب، أما الكرامة فهي عملة نادرة لا يبدو أنها تعرف شيئاً عنها.