من الواضح أنّ ​واشنطن​ نجحت في شنّ هجوم مضاد أحدث أزمات في الدَّاخل السوري و​العراق​ي واللبناني، عبر شنّ حرب اقتصاديّة فاقمت التَّناقضات والأزمات ​الاقتصاد​يّة والاجتماعيّة على نحو غير مسبوق.. ومن البيِّن أنّ إدارة الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ قرَّرت خوض ما تسمّيه بالحربِ النَّظيِفة، التي لا تدفع فيها ​الولايات المتحدة​ مالاً من خزينتها، أو دماء من جنودِها..

وتسير إدارة ترامب في سياستها هذه، على خطى نهج أسلافها في ​البيت الأبيض​، وهو النَّهج الذي دشنه وودرو ويلسون، الرئيس الـ 28 للولايات المتحدة، الذي تولَّى الحكم من عام 1913 إلى 1921.

واشتهر الرئيس ويلسون بقوله «إنّ الأمّة التي نقاطعها هي أمّة على وشك الاستسلام»، وتأكيده بالقول: «طبّق هذا العلاج الاقتصادي والسلمي الصامت والمميت، ولن تكون هناك حاجة لاستخدام القوّة، إنه علاج رهيب لا يكلّف حياة خارج الدولة التي تقاطعها، لكنّهُ يفرضُ ضغوطاً عليها، وفي رأيي أنّه لا توجد دولة حديثة يمكن أن تقاوم».

من هنا فإنّ السؤال المُلحّ هو كيف يُمكن مواجهة هذه ​السياسة​ التي تقتل الناس بسلاحِ الخنق الاقتصادي لفرضِ الاستسلام عليها للإرادة الاستعماريّة الأميركيّة؟

أولاً، إنَّ الردّ إنَّما يكون بعدم البقاء في حالة دفاع سلبي.. بل بالانتقال وفوراً إلى الردّ، على الهجوم الأميركي المضاد، بهجومٍ معاكس يقلب الطاولة ضدّ واشنطن، ويحدث تحوّلاً اقتصادياً يُكسر من خلاله الحصار الذي يستنزفُنا، ويُبطل ورقة الحرب الاقتصاديّة من يد الولايات المتحدة.. ويجبرها على التسليم بفشل حروبها وعقم الاستمرار في الرهان على تغيير المعادلات ​الجديدة​ الناشئة من موازين القوى التي تمخضت عن انتصارات محور ​المقاومة​ ضد الحرب الإرهابيّة..

ثانياً، إنَّ هذا الهجوم المعاكس، يجب أن يرتكز إلى المزاوجة بين الوسائل الاقتصاديّة والعسكريّة في آن…

1 ـ على الصعيد الاقتصادي، مطلوب إحداث نقلةٍ نوعيّةٍ في الخياراتِ الاقتصادية، بحيث يتمّ إطلاق مسار التّعاون والتكّامل الاقتصادي بين كلّ أطراف محور المقاومة، وبيّنها وبين ​الصين​ و​روسيا​، بما يؤدّي إلى ​تحقيق​ حلول للمشكلات والأزمات الاقتصاديّة والماليّة والخدماتيّة والمعيشيّة التي تسبّبت بها حروب ​أميركا​ العسكريّة والإرهابيّة والاقتصاديّة.. ولا يجب بأيّ حال من الأحوال التردّد في اتخاذ الخطوات التي تترّجم هذه الخيارات الاقتصاديّة المُتاحة والتي توفُّر موارد وتنشطُ الحركة الاقتصاد وتنهضُ بالإنتاج الوطني وتحقق النمو وتحسن الأوضاع المالية والاجتماعية…

2 ـ على الصعيد العسكري… البدء بالمقاومة الشعبيّة والمسلّحة ضد ​القوات​ الأميركيّة والمتعاملين معها، بحيث يتمّ تدفيع الولايات المتحدة الأميركيّة ثمن استمرار احتلالها في سوريّة والعراق، عبر إلحاق الخسائر الماديّة والبشريّة بقواتها، مما يسبب مشكلات لإدارة ترامب في الداخل الأميركي، على أبواب اقتراب استحقاق ​الانتخابات​ الرئاسيّة الأميركيّة.. وبالتالي وضع الإدارة أمام استحقاق الانسحاب الأميركي من سوريّة والعراق، لأنّ البقاء يعرّض القوات الأميركيّة لحرب استنزاف لا تستطيع التعايش معها، كون البديل عن الانسحاب هو التورّط في حرب جديدة تتطلب إرسال عشرات آلاف الجنود والغرق أكثر في حرب استنزاف باهظة الكلفة، وهو أمر لا يحظى بشعبية في أميركا، عدا عن أنّ ​البنتاغون​ لا يؤيد مثل هذا التورّط لأنّ نتائجه ستكون وخيمة العواقب على الولايات المتحدة، على كلّ الصعد العسكريّة والاقتصاديّة والسياسيّة، في ضوء نتائج فشل حربي العراق و​أفغانستان​ ..

ثالثاً، إنَّ التجارب أكدت بأن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم، وأن المستعمر والمحتل الأجنبي لا يُمكن أنّ يسلم بهزيمتهِ إلّا إذا وَجد أنّ كل الطرق مقفلةٌ أمامهُ، وأن كلفة بقائهِ باتت مكلفة وتفوق أضعاف المكاسب التي يحققها من هذا البقاء.. عندها فقط يعيد المستعمر النظر في سياساته، ويضطر إلى الانسحاب، والتّكيّف مع الوقائع الجديدة، ويتصرف ببراغماتيّة تجنّبه الغرق مجدداً في حروب معروفة النتائج سلفاً، والهزيمة في نهاية المطاف.

انطلاقاً مما تقدّم فإنَّ ما هو مطلوب أن يدرك المستعمر الأميركي انه لا يستطيع أن يواصل حربه الاقتصاديّة لاستنزافنا وقتلنا بالخنقِ الاقتصادي، من دون أن تسيل دماؤه ويتكبُّد أعباء ماليّة متزايدة، يسعى اليوم إلى تجنبها عبر الحرب الاقتصاديّة المميتة للدول والشعوب التي يستهدف إخضاعها وفرض الاستسلام عليها…