لم يكن يفترض أن تكون الزيارة الرسمية الخارجية الاولى لرئيس مجلس الوزراء ​العراق​ي ​مصطفى الكاظمي​ الى إيران، ولكن بعد 24 ساعة على تأجيل زيارته الى المملكة العربية السعوديّة على خلفية نقل العاهل السعودي الملك سلمان إلى المستشفى لإجراء فحوص طبية، حطّ الكاظمي في طهران للقاء المسؤولين الإيرانيين وعلى رأسهم المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي الخامنئي، الذي "قطع" عزلته بسبب "الكورونا" للقاء الضيف العراقي.

تأتي هذه الزيارة العراقية الى إيران في مرحلة حرجة تمر فيها المنطقة بعد وصول الكباش الأميركي الإيراني إلى مستويات لم يصلها في السابق، كما تأتي لتتوّج جملة تحركات ناشطة بين طهران و​بغداد​ اللتان شهدتا في الفترات السابقة تبايناً في المواقف، خصوصاً بعد وصول مصطفى الكاظمي إلى ​رئاسة الحكومة​ العراقيّة، وما تبعه ذلك من أحداث في الداخل العراقي أبرزها اعتقال أفراد من جماعة "​حزب الله​ العراق".

في الشكل، وبناء على كل ما سبق، أتت زيارة ​وزير الخارجية​ ​محمد جواد ظريف​ إلى بغداد، ومن ثم زيارة الكاظمي إلى طهران، ضمن سياق التغييرات في المنطقة. في هذا السياق، يرى مراقبون أن زيارة الكاظمي إلى طهران تطرح علامات استفهام حول قدرة هذا الرجل على أن يكون رجل التوازنات الصعبة في المرحلة الحرجة، بين دول تحوّل تنافسها في العراق إلى عداء مباشر ومعلن، ويشيرون إلى خطوات قد يقوم بها الكاظمي ليلعب دور صلة الوصل بين ​الرياض​ وطهران، وهذا الدور المنتظر يأتي بعد تصريحات عديدة من مسؤولين سعوديين وايرانيين برغبة الطرفين بالمفاوضات وحل كل المشاكل بينهما.

في المضمون، كان لافتاً البثّ الصوتي أثناء لقاء الكاظمي مع المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، وهو ما لا يحصل عادة، وفيه كسر للتقاليد بوجود صوت المرشد وهو يتحدث العربيّة، وهذا الإجراء حصل سابقاً خلال لقاء خامنئي مع رئيس وزراء اليابان شيزو ابي، حيث تم نشر صوت المرشد وهو يرفض رسائل الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​. كذلك، برز استذكار خامنئي لاغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني بداية العام الحالي، والذي كان حينها الكاظمي رئيساً للمخابرات العراقية وما طرح من علامات استفهام عن دوره في ذلك. وفي هذا السياق تبرز رسالتين من خلال الصوت، الاولى موجّهة للشعب العراقي حيث يتحدث خامنئي باللغة العربية، والثانية هي لتأكيد الموقف واهميته وحجمه.

أمام ضيفه، لم ينسَ خامنئي إعادة التلويح بضرورة أن "يندم الأميركيون على ما فعلوه" بحق سليماني، معتبراً أن "أميركا قتلت ضيفكم، وقتلوه في منزلكم واعترفوا صراحة بالجريمة وهذه ليست مسألة بسيطة"، مشدداً على أن بلاده "لا تتدخل في علاقات العراق مع الولايات المتحدة، لكنها تتوقع أن يعرف الأصدقاء العراقيون الولايات المتحدة وأن يعلموا أن الوجود الأميركي في أي بلد هو مصدر فساد وتدمير ودمار". من جانبه، كان رد الكاظمي دبلوماسياً، مؤكداً "أنني أقدر وأشكر لكم توجيهاتكم ونصائحكم كمفتاح لحلّ المشاكل".

تكوّنت زيارة الكاظمي الى العراق من 3 محاور، المحور السياسي وستظهر نتائجه في الأسابيع القليلة المقبلة، إن تمكّن الرجل من لعب دوره ببراعة، وتمكّن من لمّ شمل إيران والسعودية، المحور الإقتصادي حيث توصل الطرفان الى توافق على تعزيز التعامل في هذا الاطار، والدعم المتبادل بينهما في ظل الحروب الاقتصادية التي تُشن على إيران، والمحور الأمني حيث لم يرشح عنه سوى طلب كاظمي من القيادة الإيرانية دعم استقرار العراق، لتأمين مشاركة هادئة في مرحلة التفاوض الجديدة مع الأميركي بداية الشهر المقبل.