في الاسبوعين الماضيين، دخلت البلاد مرحلة جديدة في التعامل مع ​فيروس كورونا​ المستجد مع تزايد أعداد المصابين، الأمر الذي فرض على الجهات المعنية العودة إلى التشدد بالإجراءات، لتفادي الوقوع في ما هو أخطر، كالعودة إلى الطلب من المواطنين معاودة التقيد التام بتدابير ​السلامة العامة​، ومن أصحاب المؤسسات وصالات المناسبات الإجتماعية و​المطاعم​ والمقاهي والملاهي الليلية و​الفنادق​ والمسابح والأسواق التجارية والمحال والسوبرماركت وضع المعقّمات حيثما أمكن، وإلزام الموظفين والزبائن بوضع الكمامات، بالإضافة إلى المحافظة على المسافات الآمنة والحدّ من الإكتظاظ بما يقارب نصف القدرة الإستيعابية للمكان، ومنع تقديم النارجيلة في الأماكن المغلقة والخارجية.

في هذا الإطار، بات واضحاً أن العودة إلى مرحلة الإقفال شبه التام غير واردة، نظراً إلى التداعيات الكارثيّة التي قد تترتب من جراء ذلك على الواقع الإقتصادي الصعب، الأمر الذي يتطلب من المواطنين أخذ الإحتياطات الوقائية اللازمة، والتي باتت معروفة ولا تحتاج إلى المزيد من الشرح، خصوصاً أن حالة التفلّت التي حصلت، في الأسابيع الماضية، هي السبب الأساسي في تزايد أعداد الإصابات.

من الناحية العلميّة، يشير عضو لجنة علماء ​لبنان​ لمكافحة "كورونا" محمد حميّة، في حديث لـ"النشرة"، إلى سببين أساسيين لتزايد أعداد الإصابات ودخول لبنان مرحلة الإنتشار، التي تشبه ما حصل في أوروبا: الأول هو إعتماد نموذج ​مناعة القطيع​ من قبل السلطات المعنية، أما الثاني فهو التعديل الجيني الذي حصل على الفيروس، حيث بات اللبنانيون يتعرضون لهيكليّات معدلة جينياً ضمن أجسام الوافدين من الخارج.

ويوضح حميّة أن الهيكليّات المعدّلة تعرّف عليها لبنان حديثاً، ولذلك كان إنتشار العدوى سريعاً، ويلفت إلى أنّها ليست جديدة بل هي هيكلية الفيروس التي أخذت في كل بلد منحى جينيا معيّنا، ويشير إلى أنّ التعديل هو عامل إضعاف للفيروس بحد ذاته، ويضيف: "المناعة المحلية كانت قد تأقلمت مع الهيكيّلة المحلّية، لكن مع دخول الهيكليّات الجديدة بات خطر إلتقاط العدوى أكبر".

الإرتفاع السريع والمستمر في عدد الإصابات يمثل خطراً كبيراً، بسبب الضغط الذي يشكله على القطاع الصحّي، لا سيما مع إرتفاع عدد الحالات التي تتطلب الدخول إلى ​المستشفيات​، مع العلم أنّ القطاع يعاني من أزمة كبيرة جراء الأزمة الإقتصاديّة التي تؤثر على مختلف القطاعات، وبالتالي بات من الضروري أخذ هذا الأمر بعين الإعتبار، لا سيما مع تجاوز عدد الإصابات المئة في اليومين الماضيين.

في هذا السياق، تؤكد مصادر معنيّة، عبر "النشرة"، أن لا قرار بعودة الإقفال من جديد، لكن في المقابل هناك توجّه نحو تشديد الإجراءات المعتمدة، لا سيما على مستوى فرض غرامات على الأشخاص الذين لا يرتدون الكمّامات في الأماكن العامّة، وتشير إلى أنه بالتزامن سيلاحق الأشخاص الذين يتسبّبون بنقل العدوى إلى آخرين قانونياً.

وفي حين تؤكّد هذه المصادر رفع مستوى التجهيزات في القطاع الطبّي لمواجهة هذه الأزمة، تشدّد على أنّ القطاع لا يمكن أن يتحمّل مرحلة واسعة من الإنتشار، ما يفرض على المواطنين أخذ الإحتياطات اللازمة لتفادي الوصول إلى ما هو أسوأ، لا سيّما بالنسبة إلى نقل العدوى إلى الفئات العمريّة الصغيرة، أيّ الأطفال الذين هم دون 12 سنة، أو إلى كبار السن الذين يعانون من أمراض أخرى، وتضيف: "المسؤوليّة تقع على عاتق الجميع، ولا يمكن التهاون في هذا المجال".

بالنسبة إلى الإجراءات التي من الممكن القيام بها لتفادي الأسوأ، يشدّد حميّة على أنه بالنسبة إلى المواطن وما يجب القيام به معروف، وبالتالي يجب التعامل مع كل شخص آخر على أنه قد يكون مصاباً، في حين على الوزارات المعنية الذهاب إلى إجراءات بسيطة وصعبة في الوقت عينه، كإنشاء مستشفى ميداني يضم أكبر عدد ممكن من الوافدين من الخارج، بهدف الحدّ من دخول الهيكليّات المتغيّرة، بالإضافة إلى تشديد الإجراءات، على الأقلّ، حتى نهاية العام الجاري، من دون تجاهل أهميّة العزل لبؤر الإنتشار، وإقامة أكبر عدد ممكن من الفحوصات السريعة في الأماكن الموبوءة.

في ما يتعلق بأسباب تحديد موعد نهاية العام الحالي، يشير حمية إلى أن التجارب القائمة على مستوى العالم تظهر مصداقيّة بعض الدول في إيجاد علاجات وقائيّة، الأمر الذي يفتح الباب أمام إيجاد لقاح، ويوضح أن التغيير الجيني الذي يحصل على الفيروس في الدول يصعب مهمّة إيجاد لقاح موحّد، كما أنّ عالم الفيروسات يثبت أن الفيروس يحتاج إلى ما يقارب السنة حتى يبدأ بالتراجع، وبالتالي مع مرور حوالي 4 أشهر، حتى الآن، نحتاج حتى نهاية هذه السنة الحالي كي يبدأ الفيروس بالضعف ذاتياً.

في المحصّلة، خطر الإصابة بالكورونا يزداد يوماً بعد آخر، الأمر الذي يفرض على جميع المواطنين أخذ الإجراءات اللازمة والتعامل بكلّ جدّية مع هذا الفيروس، الذي يتميز بسرعة الإنتشار، خصوصاً أنّ التفلّت من هذه الإجراءات هو السبب الأول لتزايد عدد الإصابات على هذا النحو.