دلالات عدة انطوى عليها الموقف الصادر امس عن رئيس ​الحكومة​ ​حسان دياب​ حيال زيارة ​وزير الخارجية​ الفرنسي ​جان إيف لودريان​ الى ​لبنان​. فما هي أبرز تلك الدلالات، ولماذا خفف دياب من «المجاملات الديبلوماسية» في معرض كلامه عن لودريان؟

نزع دياب القفازات وبقّ البحصة: زيارة لودريان لم تحمل جديداً، ولديه نقص في المعلومات حول ​مسيرة​ الإصلاحات الحكومية.

ليست هذه المرة الأولى التي يكون فيها رئيس الحكومة مباشراً، وربما بالنسبة إلى البعض صادماً، في التعاطي مع «الاجانب»، إذ سبق له ان وجّه رسالة شديدة اللهجة إلى بعض السفراء الاساسيين المعتمدين في لبنان منذ فترة، (قاصداً من بينهم ​السفيرة الأميركية​ قبل ​الخبز​ والملح). آنذاك، انتقد دياب بصوت مرتفع خلال إحدى جلسات ​مجلس الوزراء​ المخالفات للأعراف والأصول الديبلوماسية، ثم قرّر امس ان يبوح بانطباعاته «الخام» حول مهمة لودريان في ​بيروت​ بعيداً من الأدبيات الكلاسيكية، ما يؤشر الى انّه يحاول ان يكرّس نمطاً جديداً من السلوك الرسمي حيال الخارج وممثليه، وهو نمط تنقسم حوله الآراء، بين من يجد فيه إضراراً بالمصالح العليا للدولة اللبنانية وبرصيدها من العلاقات الدولية، وبين من يعتبره تصويباً لخلل مزمن في طريقة التعاطي مع لبنان واستعادةً لكرامة وطنية منتقصة.

وقد أتى «التدقيق التشريحي» العلني في نتائج مهمة لودريان من قِبل رئيس الحكومة، ليعكس الحصيلة المريرة التي افضت اليها زيارة الوزير الفرنسي، وهي «لا شيء».

واذا كان هناك من افترض، اقلّه من حيث الشكل، انّ جولة لودريان كسرت الحصار المفروض على الحكومة واعادت وصلها ب​العالم​ الخارجي، الّا انّ ما انتهت اليه في المضمون يعطي انطباعاً بأنّ الحصار مستمر، وانّ الابواب ستظل مقفلة امام المساعدات الحقيقية حتى إشعار آخر، وفق ما أقرّ به دياب نفسه، الذي استخلص من مواقف لودريان بأنّ القرار الدولي حتى الآن هو عدم مساعدة لبنان. وفي احسن الأحوال ربما يُسمح لبعض «فاعلي الخير» بفتح «فجوة» صغيرة فقط في الجدار السميك، حتى يمرّ عبرها أنبوب اوكسيجين لمنع الاختناق التام، ليس اكثر.

كذلك، يؤشر ما صدر عن دياب، إلى أنّ الحكومة و​المجتمع الدولي​ ليسا على موجة واحدة في مقاربة الإصلاحات، سواء لناحية تحديد طبيعتها او قياس وتيرتها، وانّ كلا منهما يفهمها على طريقته ووفق أولوياته.

ولا يخفي احد الوزراء القريبين من دياب الإنزعاج من الطريقة التي خاطب بها الوزير الفرنسي المسؤولين اللبنانيين خلال وجوده في بيروت، لافتاً الى انّه اعتمد ​سياسة​ «تهبيط الحيطان» علينا.

ويكشف محيطون بدياب، انّه عدّد لضيفه الفرنسي الإصلاحات التي أقرّتها الحكومة منذ تشكيلها، وشرح له أهميتها وحيويتها، من الخطة المالية الى التدقيق الجنائي في حسابات ​مصرف لبنان​ وما بينهما من قرارات وتدابير، موضحين انّ لودريان كان يأخذ «نوت» ويدوّن الملاحظات، لافتين الى انّه بدا وكأنّه يسمع للمرة الأولى بما تحقّق على هذا الصعيد.

ويرى هؤلاء، أنّ التأخير في إنجاز بعض الإصلاحات يعود من جهة إلى مفاعيل التراكمات الثقيلة في مختلف المجالات، ومن جهة أخرى الى مكابرة المنظومة السياسية المالية التي تتحكّم بمفاصل الدولة منذ عقود، موضحين انّ لودريان أظهر تفهماً لهذه الحقيقة، ولكون التركيبة السياسية تساهم في عرقلة الإصلاح.

وبينما شدّد لودريان على ضرورة انجاز الإصلاحات في ملف ​الكهرباء​، أبلغ اليه دياب وفق المطلعين، بأنّ ما حصل اخيراً من تعيين لأعضاء مجلس إدارة مؤسسة الكهرباء إنّما يندرج في هذا الاتجاه الذي سيُستكمل عبر تشكيل الهيئة الناظمة قريباً، بعد الانتهاء من إدخال التعديلات الضرورية على القانون 462.

ويعتبر دياب، تبعاً للقريبين منه، انّ إجراء التدقيق المالي الجنائي في حسابات ​البنك المركزي​ هو قرار إصلاحي مفصلي وشديد الأهمية، لانّه سيسمح بتقفي أثر كل ما خرج من مصرف لبنان في الحقبة الماضية، وبالتالي يمكن أن يقود الى كشف خفايا ​الفساد​ والهدر في عدد من إدارات ومؤسسات الدولة، بعيداً من الإتهام السياسي والأحكام المسبقة.

لكن ما تأسف له الاوساط المحيطة بدياب، هو انّ هناك شخصيات لبنانية لا تزال تسعى الى التشويش على عمل الحكومة من خلال «النميمة السياسية» في الصالونات الديبلوماسية، مشيرة الى انّ سفيراً عربياً في بيروت كشف امام احد الذين التقاهم اخيراً، انّ سياسيين راجعوه وحرّضوه على الحكومة.