أثارت إستقالة ​وزير الخارجية​ ​ناصيف حتي​، السفير ال​لبنان​ي السابق، بلبلة لدى الأوساط، والشكوك والتساؤلات عن هذا التوقيت بالذات. رأت هذه الأوساط أن حتّي فقد الأمل من هذه ​الحكومة​ المسماة بالإنقاذية، وبعد انسداد الحلول بوجهها، وعدم كسب الرضى الدولي والخارجي لها. يعلم حتّي جيداً، وهو المتمرس في العلاقات العربية والدبلوماسية المخضرمة، ان الحكومة الحالية لم تخلق بيئة موفقة تقنع فيها أصدقاء لبنان في الخارج الغربي ودول المحيط، بعد التململ والبطء في إيجاد الحلول الجدية لمشاكل اللبنانيين. فبات الرجل خجولاً بعد عدة لقاءات اجراها مع الدبلوماسيين الدوليين عندما يُسأل ولا يلقى أجوبة واضحة ومقنعة، في مقدمتها الشأن الإصلاحي و​محاربة الفساد​ الذي أصبح على كل لسان ومسامع كافة الدول.

هذا السياسي المخضرم لربما شعر بالغبن، بإستبعاده عن وظيفته السياسية، عقب تكليف المدير العام للامن العام ​اللواء عباس إبراهيم​ في الرحلات الخارجية، رغم انها من مهام وزارته، وفرض املاءات عليه من كل الجوانب الحزبية المؤثرة على الحكومة وعملها .

حتّي القادم إلى ​حكومة تكنوقراط​ في الظاهر، لمس بأصابع اليد بأنها سياسية مطلقة بالعيار الثقيل، لم ينسجم مع أعضاء حكومة معروفون الإنتماء، وهو المسمى اصلاً من وزير الخارجية السابق ​جبران باسيل​، الذي تبين لاحقاً بأنه يختلف معه بشكل كبير من جهة مقاربتهما للسياسة الداخلية والخارجية، وعلاقة لبنان مع دول الجوار. حتى انه ذهب ابعد بكثير، في موضوع ​الاستراتيجية الدفاعية​ بأن قرار الحرب والسلم و​السلاح​ يبقى حصراً ضمن اطار ​الدولة اللبنانية​ .

هذه الحكومة ذات التجانس الواحد، والمسار السياسي الواحد، اثبتت عدم قدرتها على الإنسجام والتفاهم، والخروج بإنجاز واحد يُذكر، او السعي لرص الصفوف لإنقاذ الأيام الآتية التي ستكون على الأرجح أسوأ، في ظل استمرارها بإرتكاب أخطاء لا تغتفر، بتعاطيها مع الدبلوماسيين الدوليين، كانت أولى ضحاياها السفيرة الأميريكة ​دوروثي شيا​، وآخرها وزير خارجية ​فرنسا​ ​جان إيف لودريان​، بعد محاولة الأخير الجاهدة لمساعدة لبنان.

فرنسا التي انفردت وحدها بالدفاع عن الموقف اللبناني في الخارج، فأتى رد رئيس الحكومة ​حسان دياب​ الصاعق، بإتهام ​المجتمع الدولي​ في التآمر على لبنان واللبنانيين.

بعد الإستقالة اليوم، هل سنرى مشهدية مشابهة، فتكر سبحة وزراء آخرون يلتحقون به، على اثر التخبط الوزاري الحاصل، والكمّ الهائل من الضغوطات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي تُحمل كل تبعاتها الى هذه الحكومة، فضلاً عن طوشة التدخلات السياسية في كل شاردة وواردة، بدءاً من ملف ​التعيينات​ الفئوية مروراً بالقرارات العشوائية والمتسرعة .

نعلم علم اليقين بأنهم ليسوا من أصحاب ذوي الخُبُرات، أو أدهياء في ​السياسة​ اللبنانية ولا مرّوا يوماً في أنفاقها ودهاليزها، توهموا انهم حكومة تكنوقراط ومستقلون، لكن في المضمون، أتت تسميتها من كتل نيابية مكملة للنهج والأداء كما التي سبقوها.