كثيرةٌ هي الاستحقاقات "المفصليّة" التي تنتظر اللبنانيّين في شهر آب، بعضها "محلّي" الطابع، ومرتبط بالأزمات المتلاحقة والمتشعّبة التي تحيط بهم من كلّ حدبٍ وصوب، وبعضها يرتدي طابعاً إقليمياً، على غرار ​التمديد​ لقوات الطوارئ الدولية في ​الجنوب​، تزامناً مع "سخونة" غير مسبوقة على "الجبهة"، وسط "استنفارٍ" شبه مُعلَن على خطّيْها.

لكن، قبل كلّ هذه الاستحقاقات، استحقاقٌ يُطلّ برأسه قبل نهاية الأسبوع، وتحديداً في السابع من آب، وهو التاريخ الذي أعلنته ​المحكمة الدولية​ الخاصة بلبنان لإعلان حكمها في جريمة اغتيال رئيس ​الحكومة​ الأسبق ​رفيق الحريري​، بعد سنواتٍ طويلة من التحقيق الذي لم ينجُ من براثن "التسييس"، ووقع أسير "الانقسام" اللبناني العموديّ.

وفي وقتٍ يخشى كثيرون أن تكون للحكم المرتقب، ولو كان شبه معروفٍ سلفاً، تداعياته على الواقع اللبنانيّ، غير المستعدّ اليوم لأيّ "هزّات" غير محسوبة، فإنّ الأنظار تتّجه إلى موقف المعنيّين الأوائل به، ولا سيّما "​حزب الله​"، المتَّهَم الرئيسيّ بالقضية، وتيار "المستقبل"، الذي يوصَف على أنّه "أمّ الصبي"، إن جاز التعبير...

عدم اكتراث؟!

على خطّ "حزب الله"، قد يكون عدم الاكتراث هو "سيّد الموقف" في مقاربة السابع من آب، وما يمكن أن يحمله الحكم المرتقب عن المحكمة الدولية من "إدانة" يعتبرها المقرّبون من الحزب، "معلَّبة" وغير "معلَّلة"، سواء وُجّهت إلى الجسم التنظيميّ للحزب ككلّ، أو إلى من وُصفوا يوماً بـ"العناصر غير المنضبطة" فيه، وهو الأمر الذي رفضته ​القيادة​ "الحزبيّة" جملةً وتفصيلاً.

وإذا كان "الصمت" هو ​السلاح​ المفضَّل للحزب الذي يلجأ إليه في مقاربة الكثير من الملفّات والقضايا، كما فعل على سبيل المثال في مقاربة طرح "الحياد" الذي أخذ مداه إعلامياً في الأسابيع الماضية، فإنّ "مفاعيله" تصبح أكثر أهمية ورمزيّة في ملفّ المحكمة، تماماً كما هي مثلاً في سياق "عدّة الحرب" المستمرّة مع الإسرائيليّ، والتي تشهد، في مفارقةٍ لافتةٍ ومثيرة، نزالاً جديداً في هذه المرحلة بالتحديد.

لكنّ لـ"الصمت" اختلافاته هنا، فهو لا يدخل في إطار "حربٍ نفسيّة" كما هو الحال مع الإسرائيليّين "المتأهّبين"، بل يعني في مكانٍ ما "التجاهل" لمحكمةٍ لا يعترف بوجودها من الأساس، بل يعتبرها أداةً سياسيّة، لم يُعِرها اهتمامه في أيام "عِزّها"، وهو لن يفعل اليوم بعدما فقدت الكثير من بريقها وجوهرها، علماً أنّه سبق أن قدّم "أطروحات" على خط الدور "السياسي" الذي تلعبه هذه المحكمة، والذي ترى قيادة الحزب أنّها جاءت لتنفّذ ما لم يستطع الأميركيون والإسرائيليون تنفيذه عسكرياً.

وبمُعزَلٍ عن كلّ هذه المقاربة غير ​الجديدة​، فإنّ المحسوبين على "الحزب" لا يعيرون اهتماماً أيضاً للحكم المرتقب عن هذه المحكمة في السابع من آب، وهم حين يُسأَلون عنه، يلفتون إلى أنّ لدى الحزب "مشاغل واهتمامات" تفوق المحكمة وقراراتها ونواياها، ولا وقت لديهم بالتالي ليضيّعوه على ما لا جدوى ولا طائل منه، وهي تبدأ من الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي المتفاقم في الداخل اللبناني، والذي يفترض أن يحتلّ "الأولوية"، ولا تنتهي عند "الاستنفار" المسجَّل جنوباً، على وقع تلويح "الحزب" بالردّ على اغتيال أحد عناصره أخيراً في ​سوريا​، والذي يقول إنّه آتٍ لا محالة، عاجلاً أم آجلاً.

رهانٌ على الحريري؟

لا شكّ أنّ لـ"التجاهل" الذي يتعمّد "حزب الله" تظهيره في العَلن، ولو بصورةٍ غير مباشرة، معانيه ودلالاته عشيّة الموعد المحدَّد لصدور حكم المحكمة الدولية، والذي يدرك القاصي والداني أنه يستهدفه بالدرجة الأولى، لكنّ ذلك لا يعني عدم وجود "هواجس" لدى الحزب وبيئته الحاضنة من وجود "مفاعيل" محتملة لهذا القرار، خصوصاً مع بدء رفع البعض لشعاراتٍ قد تكون "مستفزّة"، من قبيل أنّ "ما قبل السابع من آب لن يكون كما بعده"، بل ذهاب البعض لحدّ اعتبار "السابع من آب" نسخة "نقيضة" لـ"السابع من أيار".

هنا، يقول البعض إنّ "الرهان" الأساسيّ لدى "الحزب" يبقى على موقف رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​، والذي جاءت مؤشّراته الأولية "مطمئنة" إلى حدّ بعيد، سواء حين استبق الحكم بدعوة "المحازبين والأنصار" إلى "وجوب الاعتصام بالصبر والهدوء والتصرف المسؤول"، أو حين حرص على مطالبة اللبنانيين بتجنّب الخوض بالأحكام والمبارزات الكلامية، "قبل صدور الحكم وبعده"، وفي ذلك إشارةٌ بالغة الأهمية يعوّل عليها كثيرون، علماً أنّها تأتي مكمّلة لما سبق أن قاله الحريري من ​لاهاي​ قبل أكثر من عام، حين قرّر "الفصل" بين العمل السياسي الداخلي، ومسار العدالة الدولية.

ومع أنّ انتقال الحريري من ضفّة "الشراكة" مع "حزب الله" داخل الحكومة الواحدة، إلى جبهة "المعارضة"، أثار "هواجس" الكثيرين من أن "ينعكس" على موقفه هذا، وبالتالي "استغلال" قرار المحكمة المُنتظَر للتصعيد في وجه "الحزب"، فإنّ الوقائع حتى الآن لا تشي بذلك، علماً أنّ ثمّة من يردّ ذلك إلى عدم رغبة الحريري بـ"التفريط" بالعلاقة التي بناها مع "حزب الله"، ولو من خلف الكواليس، فضلاً عن اعتقاده بأنّ "الحزب" مع رئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري​، بات يشكّل له "مظلّة الأمان" الأولى، وأنّ عودته إلى ​السراي الحكومي​، عاجلاً أم آجلاً، لن تتمّ سوى بـ "مباركةٍ" منهما، وهو الذي يعتبر أصلاً أنّ "الحزب" كان من أكثر "الداعمين" له في الحكومة الأخيرة، وليس مسؤولاً عن "التشويش" الذي تعرّض له خصوصاً من جانب رئيس "​التيار الوطني الحر​" الوزير ​جبران باسيل​.

سيناريوهات... ومعادلة واحدة!

كثيرةٌ هي "السيناريوهات" التي تُرسَم ليوم السابع من آب، وما يمكن أن يحمله معه، سواء على الصعيد الوطنيّ، أو حتى على صعيد العلاقة بين "حزب الله" و"​تيار المستقبل​".

ثمّة من يقول في هذا السياق، إنّ رئيس الحكومة السابق سعد الحريري سيوضَع في موقفٍ "محرجٍ" لن يحسده أحد عليه، وأنّ اتجاهه لـ"الفصل" بين العمل السياسي الداخلي، والحكم في جريمة اغتيال والده، لن يكون مقنعاً لكثيرين، بل إنّه قد يُتَّهَم بأنّه يغلّب مصلحته السياسية على اعتبارات "العدالة والثأر".

لكن، بين هذا وذاك، يبدو الأكيد أنّ "ما قبل السابع من آب سيكون كما بعده"، معادلة باتت تردّدها شخصيات قيادية في "تيار المستقبل"، ومن خصوم "حزب الله" الشرسين في التيار "الأزرق"، قبل غيرها، من منطلق "الواقعية السياسية" أولاً، والظروف التي لا تسمح بـ"الالتهاء" بما بات "قشوراً" مقارنة مع ​الأزمة​ الوجودية" التي يواجهها اللبنانيّون...