عندما لوّح ​وزير الخارجية​ السابق ناصيف حتّي بورقة إستقالته، بدأت التكهنات السياسية في ظل تراكم الأسئلة: لماذا يريد الخروج من ​الحكومة​؟ هل فعلاً شعر رأس الدبلوماسية ال​لبنان​ية أنه مقيّد الحركة، ولا يستطيع بت أمر في وزارته من دون موافقة النائب جبران باسيل: لا تشكيلات للدبلوماسيين، لا لعب دور تقني ولا دبلوماسي، لا رأي، لا وجود؟ ما عزّز الإستنتاج المذكور هو كلام حتّي عن أرباب العمل في لبنان. هو ما فسّره المراقبون بأنه يقصد بشكل أساسي رئيس التيار "الوطني الحر" الذي يحنّ للعودة الى إدارة حقيبة تفتح له الآفاق دولياً، رغم أن التوجيه البرتقالي صبّ بإتجاه أن "المشكلة هي بين رئيس الحكومة وحتّي بعدما حصل على خط ​السراي الحكومي​ ووزير الخارجية الفرنسي".

قد تكون كل الأسباب التي جرى إستحضارها عندما تسرّب خبر إستقالته هي واقعية، لكن هناك سبباً جوهرياً أساسياً دفع حتي للإستقالة: فهل أراد أن يخرج من قطار الحكومة المتعثّر لعدم انهاء دوره اللبناني مستقبلاً؟.

من الظلم أن يحمل رئيس الحكومة ​حسان دياب​ وحده مسؤولية عدم نجاح الحكومة الحالية. الظروف السياسية الداخلية والخارجية، والمعطيات المالية والإقتصادية في زمن القحط، هي التي تحيط بمسار ونتائج عمل الحكومة، عدا عن الحمل الثقيل الذي ورثته من سابقاتها. لكن مقاربة الحكومة للملفات كان عشوائياً، يفتقد الى الخبرة في أداء معظم الوزراء. اللافت أن وزير الخارجية المستقيل كان من ابرز الوزراء خبرة وحنكة ودراية، لكن الفشل أحاط بمهامه بسبب الحصار السياسي الغربي والعربي الذي يحيط بحكومة لبنان.

لم يستطع حتّي ان يستثمر علاقاته العربية، ولا الأجنبية في فتح ثغرات لهذه الحكومة. لا يتحمل هو مسؤولية ذلك، بل ان الحُكم المسبق الصادر بحق حكومة دياب من قبل عواصم عدة فرضت ​البطالة​ على حتّي في وزارته، بإستثناء خطوات بسيطة نسبياً أجراها، لا ترتقي لمستوى المرحلة الخطيرة التي يمر بها لبنان.

صحيح أنّ الوزير المستقيل دبلوماسي من الطراز الأول، وصاحب خبرة في تدوير الزوايا، لكن خبرته لم تُنتج حلولاً لبلد يعاني في كل إتجاه. بالتأكيد كان يرصد حتّي اصرار ​المجتمع الدولي​ على تطبيق سياسات مالية واقتصادية في لبنان قائمة على قاعدة الإصلاحات المفقودة بعد مرور أشهر عدة من عمر الحكومة الحالية. لكن لا بدّ أن وزير الخارجية يعرف أكثر من غيره ان العقوبات والحصار والتضييق هو سياسي، وان الحكومة القائمة مغضوب عليها خارجياً، والاّ وجود لحلول بمعزل عن ارضية سياسية غير متوافرة.

ثم جاءت طريقة التعامل الحكومي مع ​فرنسا​، بعد كلام دياب، يضيف العلامات السلبية، مما دفع حتّي لمغادرتها.

قد لا يكون يقصد الوزير المذكور بإستقالته التخطيط لما قد يأتيه من مسؤوليات سياسية محتملة، قد تصل إلى حد طرح إسمه لتولي مناصب رئيسية في ​الجمهورية​ اللبنانية، كالرئاسة مثلاً. لكن مضمون بيان حتّي يوحي بأنه يحاكي اللبنانيين والعواصم الدولية معاً، بعبارات مدروسة بعناية.

هو نأى بنفسه عما يحصل الآن، وقد يُفسّر ذلك بأنه يلاقي طرح ​البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي​ في موضوع الحياد. ويُمكن ايضاً أن ينسجم كلام الوزير المستقيل مع طروحات قوى سياسية داخلية و عواصم دولية تطالب بتغيير الإستراتيجية اللبنانية والتكتيك معاً. من هنا كرّت الإشادات بخطوة حتّي من قبل قوى سياسية مسيحية معارضة ك​القوات​ مثلاً، مما يفتح الباب للسؤال: هل سيلعب حتّي دوراً سياسياً مقبلاً بدعم واسع؟.

ما بين خطوته، ومضمون بيانه، والردود الإيجابية التي تلقّاها، وعدم الإنزعاج الشعبي في كل الإتجاهات مما اقدم عليه بالإستقالة، لا بل التغنّي بالخطوة، إضافة الى حُسن علاقاته مع عواصم عربية وغربية، كلّها تضع حتّي تحت الأضواء مستقبلاً: اسمه بات مطروحاً للعب ادوار سياسية مقبلة.

لذا، يمكن التأكيد أن حتّي لم يستقل من الشأن العام، بل ان خطوته رسّخت إسمه لاعباً سياسياً وطنياً. ناصيف حتّي طلّق أمس مشواره الدبلوماسي وبدأ حياته السياسية.