حتى ​الساعة​، لم يستفق ​اللبنانيون​ من حجم الكارثة التي حلت بهم بعد الانفجار الذي شهده ​مرفأ بيروت​. في اللحظات الأولى شعر الجميع بالخوف من أن يكون دوي الانفجار الكبير سببه عملية اغتيال أو عدوان إسرائيلي، لا سيما أن البلاد لم تعد تحتمل المزيد من المصائب، في ظل التدهور الذي تعيشه على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. لكن ما هي الاّ دقائق حتى تبين أن المجرم هو نفسه، ​الفساد​ والإهمال الذي لم يكتفِ في تحويل حياة اللبنانيين إلى جحيم، بل قرر أن يقتلهم. عشرات الشهداء والاف الجرحى هم في رقبة كل مسؤول عن الإهمال الحاصل، المتمثل في تخزين مواد خطرة متفجرة بطريقة عشوائية منذ أكثر من سنوات، بالرغم من وجود ​تقرير​ أمني، عمره أكثر من 4 أشهر، يحذر من الواقع القائم، الأمر الذي لم يعد من الممكن السكوت عنه بعد اليوم. المسؤول واضح ولا يحتاج البحث عنه إلى الكثير من التحقيقات، هو تركيبة سيّاسية فاجرة لا تهتم إلا في زيادة أرباحها على حساب حياة اللبنانيين، وعند وقوع الكارثة ليس لديها ما تقدمه إلا الاستعراض والرقص على الجثث. من سيعوض على العائلات التي خسرت أبناءها أو على الجرحى الذين سقطوا أو على المواطنين الذين تضررت منازلهم أو أعمالهم؟ من هو المسؤول القادر على اقناع اللبنانيين بأن المسؤول عن هذه الكارثة سيحاسب في وقت قريب أو بعيد؟ ما هي الإجراءات التي ستقوم بها السلطات المعنية للحد من هول الكارثة التي أبكت اللبنانيين حزناً على واقعهم الحالي، وعلى مستقبلهم الحزين بسبب التداعيات التي ستترتب على ما حصل؟ هل يكفي أن يخرج رئيس ​الحكومة​ ​حسان دياب​ ليتعهد بأن الحادثة لن تمر من دون حساب؟ أقصى ما يمكن أن يتمناه ​الانسان​ في مثل هذه الظروف هو اللطف الإلهي بالبلاد والعباد. فالأمور وصلت إلى الحد الذي لا يمكن تصوره في أقصى الكوابيس، ولا يمكن الرهان على أي أمر آخر، بعيداً عن الخطابات والشعارات الرنانة التي خرج بها بعض المسؤولين، كالتضامن والوحدة الوطنية والتكاتف. الكارثة أكبر من كل ذلك، وهي لا تتعلق بالحادثة فقط، بل بطبقة سياسية وصل فسادها وإهماله إلى حد الإجرام بحق شعبها، من دون أن تظهر أي رغبة في التوبة أو التراجع، في حين أنّ المواطنين لم يكونوا بحاجة إلى مثل هذه الدعوات ليعربوا عن تضامنهم مع بعضهم البعض، حيث لم تتأخر الدعوات إلى ​التبرع بالدم​ وفتح المنازل لإيواء الذين خسروا منازلهم. طوال الفترة الماضية، كان الحديث عن طبقة سياسية ارتكبت أكبر جريمة سرقة بتاريخ البشرية، طاولت أموالهم وجنى عمرهم، من دون أن يتم توقيف أي شخص أو محاسبة أي مسؤول، لكن على ما يبدو لدى هذه الطبقة المزيد من الجرائم التي ترتكبها بحق مواطنيها، بدليل هذه الجريمة ​الجديدة​ التي تضاف إلى سجلها اليوم، حيث بات من الممكن تصوّر المزيد من المصائب التي قد تقع في أي لحظة، والتي سيدفع المواطن ثمنها وحيداً، في حين أن أقصى ما يمكن أن تقدمه هذه الطبقة لهم هو ​التسول​ باسمهم أمام ​المجتمع الدولي​، أو توزيع الحصص الغذائية لهم، على أمل ألاّ يخرج عليهم من يريد أن يقنعهم بأن كل ما يحصل هو عبارة عن مؤامرة خارجية فقط.