تطلب الامر 2750 طناً من "نيترات الامونيوم" المتفجرة، كي يفك ​لبنان​ طوق الحصار المفروض عليه منذ اشهر، والذي وضعه في الاقامة الجبرية دون منفذ لتلقّي الاموال او تحويلها او الاستفادة من المساعدات من أي دولة كانت. ومع التسليم بأن المسؤولين في لبنان على مر السنوات هم المسؤولون الاساسيون عن المرض المزمن الذي ضرب هذا البلد، فإنّ الحصار الخارجي "زاد الطين بلّة"، وها هو اليوم قد انكسر بفعل النكبة والمأساة الكبيرة التي حلّت ب​بيروت​ وحوّلت قسماً كبيراً منها الى ارض قاحلة.

بلسم التعزية الذي شعر به ​اللبنانيون​، اتى من خلال اعراب دول ​العالم​ اجمع عن التضامن والاستعداد لتقديم يد المساعدة في هذ الظرف العصيب، وسارعت ​اسرائيل​ و​حزب الله​ في سحب اي فتيل قد يتم اشعاله لحصول ​انفجار​ بينهما، عبر تكذيب كل ما سارع البعض الى اشاعته حول مسؤولية اسرائيل عن الكارثة وتنفيذها لعمل عسكري، حتى ان مسؤولين اسرائيليين اعربوا عن رغبتهم في المساعدة مع علمهم المسبق ان طلبهم مرفوض سلفاً وقطعياً كونها عدوّة للبنان.

قد تكون ​الحكومة​ و​السلطة​ اللبنانية ككل، يدينان بالجميل للكارثة التي حلّت، كونها فعلت -رغم الفاجعة التي خلّفتها من شهداء وجرحى واضرار مادية- ما عجزتا عنه منذ اكثر من ستة اشهر، ودفعت بالرئيس الفرنسي ​ايمانويل ماكرون​ الى المسارعة لزيارة لبنان في اليوم الثالث من الانفجار. وفي حين كانت مصادر مطلعة قد افادت ان ماكرون كان ينوي زيارة لبنان خلال الشهر المقبل، سرّعت الكارثة التي ضربت بيروت هذه الزيارة، واعطتها بعداً انسانياً اضافة الى بعدها السياسي. واذ يرى متابعون ان الزيارة الرئاسية الفرنسية هي لاستكمال "التأنيب" الدولي الذي بدأه ​وزير الخارجية​ الفرنسي جان ايف لودريان خلال زيارته الى بيروت منذ فترة قصيرة، فإن آخرين يجزمون بأن الزيارة تحمل ابعاداً اكبر من تلك المعلنة والمنحصرة بالطابع الانساني بطبيعة الحال. فرمزية تواجده في بيروت، تعني ان ​فرنسا​، وهي احدى الدول الكبرى، لم ولن تترك الورقة اللبنانية تنسلّ من بين يديها، خصوصاً في ظلّ اتساع رقعة الصراع على النفوذ في المنطقة بين ​الولايات المتحدة​ و​روسيا​ التي دخلت بقوة على الخط وسط تواجد ايراني مهم، وانحسار في الدور الاوروبي. والرسالة المعلنة في هذا المجال، لن تكون مجيّرة لصالح السلطة اللبنانية والحكومة، بل ستصبّ في خانة افهام الجميع ان المصالح الفرنسيّة في لبنان غير متعلّقة بأشخاص، وذلك لكي يكتب لها الاستمرارية.

وفي حين ان المساعدات من مختلف دول العالم قد بدأت تصل الى لبنان، الا انها حملت الطابع الانساني فقط، من مواد طبية و​مستشفيات​ ميدانية و​مواد غذائية​، وهذا يعني التزام لمجتمع الدولي بابقاء ​الحياة​ في لبنان قائمة بحدها الادنى، دون تغيير في الاستراتيجية المتبعة والقائمة على عدم السماح بنشر الفوضى بمعناها الشامل (اي سقوط لبنان كلياً)، ولا بالعودة الى الحياة الطبيعية فيه الى حين تلبية عدد من الشروط الموضوعة سابقاً. وبالتالي، فإن ماكرون يعلن بقدومه الى لبنان كأول رئيس بلد من مستوى "صانعي القرار" منذ نشوء المشكلة اللبنانية الحديثة، ان "الامر لي"، وان لا تغيير في قواعد اللعبة القائمة، مع الاصرار على ابراز الدور الفرنسي والباسه صفة اللاعب الرئيسي الاساسي على الساحة اللبنانية، مع ما يعينه ذلك ايضاً من كسب للتعاطف الشعبي الفرنسي معه على ابواب استحقاق داخلي جديد في فرنسا. ومن ابرز مضامين الرسالة الفرنسية كذلك، انه عند اي تغيير جذري في الاحداث اللبنانية يرتقي الى مصاف الكارثة، ستكون فرنسا حاضرة بقوة، وما الاعلان عن فتح ​النيابة العامة​ الفرنسية تحقيقاً في اصابة 21 فرنسياً في انفجار بيروت، سوى دليل اضافي على عزم هذا البلد في الامساك بالورقة اللبنانية بشدة من كل نواحيها.

انكسر الحصار عن لبنان لأغراض واهداف انسانية، ويبقى الحصار الاساسي قائماً رغم زيارة ماكرون، فما الذي سيحدث بعدها؟!.