وسط هول الكارثة التي أصابت العاصمة ال​لبنان​ية نتيجة ​انفجار​ مستودع في ​مرفأ بيروت​ الذي كان يحتوي نيترات الأمونيوم، سارع البعض إلى المطالبة بتشكيل لجنة ​تحقيق​ دولية، والتشكيك مسبقاً بالتحقيق الذي قرّر ​مجلس الدفاع الأعلى​ المباشرة به عبر تكليف لجنة تحقيق لهذه الغرض، على ان تنجز ​تقرير​ها في غضون خمسة أيام…

ويبدو من الواضح أنّ من يطالب بتشكيل لجنة تحقيق دولية غايته استباق نتائج تقرير اللجنة الوطنية، ومحاولة تكرار سيناريو لجنة التحقيق الدولية التي شكلت عام 2005 للتحقيق في جريمة اغتيال رئيس ​الحكومة​ الأسبق ​رفيق الحريري​، حيث تبيّن من مسار التحقيق حجم التلفيق والتزوير والتسييس الذي شاب عمل لجنة التحقيق والذي فضحته شهادات الزور التي جرى ترتيبها وتحضيرها لإلصاق التهمة ب​المقاومة​ وبالقيادة السورية والتعمية على الجهات الحقيقية التي تقف وراء الجريمة، تنفيذاً لمخطط أميركي إسرائيلي هدفه تشويه سمعة المقاومة وحلفائها، وإحداث انقلاب أميركي في لبنان…

على أنّ من يطالب بتكرار هذا السيناريو ليس من السهل عليه اليوم تزوير الحقائق للأسباب التالية…

السبب الأول، انّ الانفجار حصل في مستودع يحتوي 2750 طناً من نيترات الأمونيوم جرت مصادرتها عام 2014 من ​باخرة​ كانت آتية من ​جورجيا​ ومتوجهة إلى موزانبيق.. ففي ذلك العام والسنوات التي تلت كانت الحكومات التي بيدها ​السلطة​ الفعلية، هي برئاسة الرؤساء، ​نجيب ميقاتي​ و​تمام سلام​ و​سعد الحريري​، وهذه الحكومات بموجب ​الدستور​ هي التي تتحكم بجميع السلطات الأمنية والقضائية والإدارية وبالتالي هي المسؤولة عن إبقاء الشحنة في العنبر رقم 12 في مرفأ بيروت طوال هذه السنوات على الرغم من خطرها…�السبب الثاني، انّ هناك إثباتات تؤكد إصرار الجهات القضائية على إبقاء كمية الأمونيوم في المرفأ وعدم الموافقة على التخلص منها انْ كان عبر بيعها أو نقلها إلى مكان آخر بعيداً عن المرفأ لأنّ وجودها فيه يشكل ​قنبلة​ موقوتة خطيرة على المرفأ والعاصمة، وهذه الإثباتات تتجسّد في ​الكتب​ العديدة التي أرسلت من إدارة المرفأ إلى فاضي الأمور المستعجلة الذي كان يرفض الاستجابة لطلبات إخراجها او التخلص منها…

السبب الثالث، انّ قاضي الأمور المستعجلة والجهات الأمنية التي تشرف على المرفأ تعرف جيداً مدى خطورة بقاء هذه الكمية الكبيرة من مادة الامونيوم في مرفأ وسط المدينة فلماذا تمّ الإصرار على عدم التخلص منها ومن هي الجهات التي أمرت بذلك…؟

انطلاقاً من ذلك فإنّ المسألة واضحة وليس هناك أيّ التباس، أو غموض بشأنها، كما كان حال جريمة اغتيال الحريري… والأمر لا يحتاج سوى إلى تحديد المسؤوليات عما حصل، إنْ كان بقصد او نتيجة إهمال، فالنتيجة في النهاية واحدة، وهي هول الكارثة التي استفاق عليها ​اللبنانيون​ وأدّت الى إزهاق أرواح العشرات من المواطنين وإصابة الآلاف وتدمير جزء كبيرة من العاصمة والمرفأ وما كان يحتويه من ​بضائع​ تقدّر بمليارات الدولارات…

من هنا فإنّ المطلوب هو الحذر والتنبّه من خطورة المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق دولية، لأنّ هدفها إبعاد الأنظار عن المرتكبين والمسؤولين الحقيقيين الذين تسبّبوا بالكارثة، والعمل على تسييس التحقيق، على غرار ما حصل في التحقيق بجريمة اغتيال الرئيس الحريري لتوجيه الاتهام للمقاومة، وإثارة الفتنة بين اللبنانيين، خدمة لكيان العدو الصهيوني، الذي يسعى إلى تشويه صورة المقاومة وإضعافها وعزلها، بعدما تحوّلت إلى قوة تردع عدوانيته وتحمي لبنان من أطماعه.