نقل ​تفجير​ مرفأ ​بيروت​ في الرابع من آب الماضي ​الأزمة​ ال​لبنان​ية إلى مسار آخر، تمثل بفتح قنوات التواصل الدولية، لا سيما من الجانب الفرنسي، من أجل تفادي دخول البلاد في الفوضى الشاملة في المرحلة المقبلة، لا سيما أن الساحة على أبواب مجموعة من التطورات المتسارعة، أبرزها الحكم الذي سيصدر عن ​المحكمة الدولية​ في جريمة إغتيال رئيس ​الحكومة​ الراحل ​رفيق الحريري​.

إنطلاقاً من زيارة الرئيس الفرنسي ​إيمانويل ماكرون​ إلى بيروت، بدأ الحديث عن إحتمال الوصول إلى تسوية جديدة، تقود إلى تأليف حكومة وحدة وطنية لكن ليس بالشكل المتعارف عليه لبنانياً، الأمر الذي دفع رئيس الحكومة ​حسان دياب​ إلى تقديم مبادرة ​الإنتخابات النيابية​ المبكرة، من دون أي تنسيق مع القوى الداعمة لحكومته، والتي تعتبر أن المس بولاية ​المجلس النيابي​ من الخطوط الحمراء.

لاحقاً، قادت خطوة دياب، التي جاءت بعد أن لمس جدياً مسار التسوية القائم، بعد الرسالة التي كان قد نقلها الرئيس الفرنسي إلى نظيره الأميركي ​دونالد ترامب​، إلى ضعضعة أركان حكومته، الأمر الذي دفع بعدد من الوزراء إلى تقديم إستقالاتهم، على قاعدة الخروج الآمن بعد أن باتت الحكومة من الماضي، خصوصاً أنها لم تعد تحظى بأي غطاء سياسي.

في الجانب المقابل، كانت قوى المعارضة الأساسية، حزب "القوات اللبنانية" و"​تيار المستقبل​" و"​الحزب التقدمي الإشتراكي​"، تعيش حالة من الإرباك، حيث وجد بعضها أن الفرصة كامنة من أجل أخذ البلاد إلى إنتخابات نيابية مبكرة، تقود إلى قلب موازين القوى في المجلس النيابي، لكن من دون أي إتفاق مسبق بينها على الخطوة اللاحقة.

في هذا السياق، يبدو أن قرار إسقاط المجلس النيابي يصطدم بالعديد من المطبات، لكن القرار في ذلك يعود إلى رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​، نظراً إلى أن قرار "القوات" و"الإشتراكي" مرتبط بما سيقرره "المستقبل" على هذا الصعيد، في حين أن الأخير ليس في وارد الدخول في مغامرة من هذا النوع، خصوصاً في ظل المساعي التي تقوم بها ​باريس​، على قاعدة أن ذلك سيكون بمثابة رسالة سلبية إلى ماكرون الذي أنقذ الحريري عند إعتقاله في ​السعودية​.

في هذا الإطار، ينبغي الإشارة إلى مجموعة من المعطيات الراهنة على تساعد على فهم مسار الأزمة دولياً، أولها أن الضغوط التي كانت تمارس من قبل ​الولايات المتحدة​ لم يكن الهدف منها الوصول إلى مرحلة الفوضى الشاملة، أما ثانيها فهو أن ترك البلاد من قبل المجموعة الغربية سيفتح الباب أمام القوى الدولية والإقليمية الأخرى، أي ​الصين​ الساعية التي لم تتردد في الإعلان، طوال الفترة الماضية، عن رغبتها في حجز موقع لها، الأمر الذي تجد فيه ​واشنطن​ خطراً شديداً، في حين أن باريس تخشى الدخول التركي في ظل المعركة التي تخاض على حوض ​البحر المتوسط​.

وهنا، ينبغي الإشارة إلى محاذير إضافية لدى الجانب الفرنسي، تتعلق بمشاركة قواته العسكرية في قوات الطوارئ الدولية العاملة في ​جنوب لبنان​، بالإضافة إلى خطر تحول لبنان إلى نقطة إنطلاق جديدة لموجات واسعة من ​الهجرة​ غير الشرعية، في ظل تواجد أكثر من نصف مليون نازح سوري وما يقارب النصف مليون لاجئ فلسطيني، من دون تجاهل مشاركتها في عمليات التنقيب عن ​الغاز​ في ​المياه​ الإقليمية اللبنانية.

كل المؤشرات المذكورة في الأعلى، تقود إلى إحتمال حصول تسوية، لم تنضج ظروفها بشكل كامل حتى الآن، إلا أنها تتطلب أن تتولى باريس بذل المزيد من الجهود مع الجانبين السعودي والإيراني، خصوصاً أن ​الرياض​ كانت قد أرسلت رسالة سلبية، في نهاية الاسبوع الماضي، تمثلت بظهور رجل الأعمال ​بهاء الحريري​ على قناة تلفزيونية محسوبة على المحور السعودي الإماراتي، في ما يشبه التحذير لشقيقه من إقدام على أي تسوية لا تحظى بموافقة هذا المحور.

إنطلاقاً من ذلك، بعد أن باتت حكومة دياب من الماضي، يمكن القول إن إستقالتها قد تقود إلى تعزيز فرص التسوية، بينما ذهاب تيار "المستقبل" إلى الإستقالة من المجلس النيابي قد يفرض واقعاً جديداً يقود إلى إجهاضها، رغم أن إحتمالات السيناريو الثاني لا تزال بعيدة نسبياً، لكن في المقابل ينبغي التأكيد أن العودة إلى نهج الحكم الماضي لم يعد وارداً، الأمر الذي يفسر كلام الرئيس الفرنسي عن ضرورة تغيير النهج والميثاق السياسي الجديد، بالإضافة إلى أن توزيع المساعدات الدولية لن يمر عبر الأجهزة الرسمية.

في المحصلة، الأيام المقبلة ستكون حساسة جداً، من الممكن أن تنقلب فيها المعطيات بين لحظة وأخرى، إلا أن الأكيد هناك مسارات تعمل مع بعضها البعض، بات فيها القرار الدولي هو المرجح، بدليل التعليق الذي كان قد أطلقها مباشرة، خلال المؤتمر الدولي الذي عقد يوم أمس، عندما قال: "مستقبل لبنان يتحدد الآن بالتعاون مع شركائه الدوليين".