سقطت ​حكومة حسان دياب​ بالضربة القاضية بعد ستة اشهر، ولكن ليس دياب فقط من سقط، لان الخسارة كانت للجميع، كل وفق حساباته، ولو ان البعض قد يعود الى الساحة من باب "الفائز" الا ان اخسارة لحقت بالفعل بالجميع وفي مقدمهم الشعب ال​لبنان​ي. ليس سقوط اللبنانيين مرتبطاً بسقوط حكومة دياب، بل بما سيليها من مسار انحداري، وللاسف، بمباركة محلية واقليمية ودولية. الخسارة للجميع، من ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​ الى الحكومات المتعاقبة قبل دياب ومعه وبعده، الى ​مجلس النواب​ والمؤسسات والادارات كافة، الى الاحزاب والتيارات السياسية، وصولاً الى "​الثورة​" والشعب. اما السبب فيعود الى انه بعد نحو سنة من التخبط والويلات والنكبات والكوارث، عدنا الى نقطة البداية، بالطاقم نفسه وبالادوات نفسها التي نحرنا بها انفسنا...

اما بعد هذا العرض الواقعي، نعود الى اللعبة السياسية. صدق الرئيس ​ايمانويل ماكرون​ من ان تغييراً ما سيطرأ على المشهد اللبناني بعد زيارته، وهو، كما قلنا سابقاً، وضع التسوية على النار، الا انها كانت حامية جداً على ما يبدو، ويقال انه مع عودته الثانية الى لبنان، تكون الحكومة قد تشكّلت وبدأت العمل بالتنسيق مع دول ​العالم​ على اعادة البلد الى ما كان عليه قبل 17 تشرين الأوّل الفائت. من هنا، يمكن ربما فهم بدء مرحة حرق طرح الاسماء في الاعلام، والنشاط غير العادي للمصادر التي تغدق ما عندها من كلام ومواقف وأفكار -باسم من تمثلهم بطبيعة الحال- لتحضير الرأي العالم لما سيلي. بورصة الاسماء المرشحة لتولي الحكومة العتيدة يتصدرها اسمان حالياً: ​نواف سلام​، و​سعد الحريري​. ووفق المصادر المتابعة للمسار الحكومي، فإن نواف يحظى بتأييد فرنسي-اميركي لسببين: الاول انه من خارج نادي السياسيين في لبنان (بغض النظر عن تأييده للحريري)، ولكونه يملك شبكة اتصالات دولية (بحكم توليه سابقاً البعثة الدائمة للبنان في الامم المحدة) قادرة في الوقت الراهن على احداث الخرق المطلوب لفك الحصار عن لبنان. ولكن المشكلة الاساسية تكمن في عدم تقبل ​حزب الله​ وعون له، وفيما يمكن ارضاء الثاني عبر التفاوض واقناعه بأنه حاجة الى لبنان ولن يسيء الى العلاقة الواجب قيامها بين رئيسي الجمهورية ومجلس الوزراء، فإن الأوّل هو المشكلة الاهم والاكبر. ولا شك ان الحزب يحتاج الى كمية مهمّة وذات مصداقية لضمانات على اعلى المستويات، كي يتقبّل فكرة البحث في تولّي نواف ​رئاسة الحكومة​. ووفق ما هو ظاهر حتى ​الساعة​، على ما تقول المصادر نفسها، فإن رسالة ماكرون الى الحزب من ​بيروت​، وما صدر بعدها لجهة ان العقوبات على لبنان لا تضعف حزب الله، من شأنها ان تكون باكورة هذه الضمانات، معطوفة على حديث عن "تخفيف" الضغوط على ​ايران​ على المستوى العالمي، ما يرفع اسهم نواف في الدخول الى السراي الكبير.

اما على خط الحريري، تقول المصادر، فالقضيّة معكوسة، لان رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ واللاعبين المحليين، يلقون بثقلهم لاعادته الى ​الحياة​ السياسية الرسمية، وهو امر ليس بخفيّ، فما يقوم به بري على هذا الصعيد من تنسيق وما ظهر منه لناحية التعجيل في اعلان وفاة الحكومة، والتحرك الناشط على خط اعادة العلاقة الى حيويتها ببن الحريري ورئيس ​التيار الوطني الحر​ ​جبران باسيل​، كفيلة بتجسيد التوق المحلي لعودة رئيس الحكومة السابق الى ​رئاسة مجلس الوزراء​، فيخلعون عنه رداء الاتهام ويلبسونه رداء "المنقذ". وتضيف المصادر نفسها ان بري يعتمد في مسعاه هذا، على اعتبار ان الحريري هو "اهون الشرور" بالنسبة الى حزب الهب والقوى الحليفة، وهو اثبت ذلك اكثر من مرة، كما ان وجوده في السراي الكبير غداة او بعد اعلان الحكم في قضية اغتيال والده يساهم بشكل كبير في تخفيف الاحتقان والتشنج على الساحة اللبنانية لامتصاص ايّ نقمة او ردة فعل قد تطرأ، كما يضفي تعاطفاً اكبر معه من خلال ​الاتصالات​ الدولية التي سيجريها، وتظهره بالفعل وكأنه "منقذ لبنان" من محنته. وفي ما خص حزب الله، تشير المصادر الى انه يميل حتماً الى الحريري حين يكون الخيار بين الاخير وبين نواف سلام، كما ان اللاعبين المحليين غير متحمّسين للتعامل مع شخصية جديدة تتمتع بدعم خارجي قوي، لعدم معرفتها المسبقة بما يمكن ان يؤدّي اليه هذا الدعم، فيما المطلوب هو العودة الى التوافق والتسويات، على ما كان عليه الحال قبل 17 تشرين الأوّل الفائت.

وبذلك، يظهر للاسف، ان الجميع خسر، وبالاخص "الثورة" و​الشعب اللبناني​ حيث لم يحصدا سوى المرارة والعذاب والمآسي طوال ​السنة​ الفائتة، حيث يتوقّع ان يعود المشهد السياسي نفسه الى الواجهة، حتى ولو تقرر اجراء ​انتخابات​ نيابية مبكرة...