دخلت ​بيروت​ اليوم، تجربة جديدة وهي تشهد فصلاً آخر من فصول تهجير أَهلها، ومن ناحية منطقة الأَشرفيّة الأَبيّة هذه المرَّة ومحيطها، إِذ يُحاول بعض "السّماسرة" وتُجّار ​العقارات​، الاستفادة من المصيبة الّتي حلت، وتحديدًا في الجمّيزة و​مار مخايل​، وحتّى في بعض أَحياء ​الخندق الغميق​ و​زقاق البلاط​، من أَجل طرد السُّكّان، من بيوتهم، بحجّة "صعوبة ترميمها"!.

وإِذا كان "السّوليديريّون" القُدامى، قد استولوا على الوسط التّجاريّ لعاصمة "أُمِّ الشّرائع" عبر شريعة الأَمر الواقع، فيما كانت بيروت قد أَضحت، وبعد نحو خمس عشرة سنة (1975–1990)، مأوًى للكلاب المسعورة، وقد نبت في ساحاتها "العشب البرّي"، فقد تحقّق قرار "الإخلاء الجماعيّ" وقتها، بغطاءٍ سياسيٍّ يقضي بالاستيلاء على مُمتلكات النّاس بالملاليم، ومن ثمّ إِعادة بيعها بالمبالغ المرقومة، بدلاً من البحث عن طرقٍ –عبر ​المصارف​ رُبّما– تتيح للنّاس إِصلاح متاجرهم ومنازلهم ومراكز أَرزاقهم في بيروت...

غير أَنّ الأَمر يختلُف اليوم، إِذ يُعتمَد "المُزوّر" في التّقارير الملغومة الّتي تُشير إِلى عدم صلاحيّة المباني للسّكن، كي يتمّ إِخلاؤُها زورًا واحتيالاً.

وثمّة طريقةٌ تهجيريّةٌ أُخرى، تهدف إِلى اللّعب بالدّيموغرافيا على منوال اللّعب المُتواصل بالدّيموقراطيّة... وهي تكمُن في استغلال حاجة النّاس وسوء وضعهم، والإِغداق عليهم ب​المال​ غير النّظيف طبعًا، لغاياتٍ هي أَيضًا غير نظيفةٍ!.

وفي هذا المجال تقول "لجنة الدّفاع عن حُقوق المُستأجرين في لبنان": "يريدون تنفيذ القانون الأَسود، بالاستفادة من الوضع الصّعب الّذي تعيشه العاصمة. ويجب أَلاّ نسمح لهُم بأَن يستولوا على بيروت".

كما وأَنّ "شرف" الحُصول على الغطاء السّياسيّ، هو اليوم موضوع تجاذبٍ بين أَصحاب "الأَجندات الدّيموغرافيّة" وأَصحاب الضّرر، إِضافةً إِلى كشف المستور، ما يُقلّل مِن نسبة سريان هذا الوجه الجديد من وجوه التّآمر على الوطن من بوّابة تهجير العاصمة مِن أَبنائها هذه المرّة.

وإذا كان "السّوليديريّون القُدامى" من حيتان المال، فالـ"سوليديريّون الجُدد" من حيتان الطّائفيّة البغيضة...

ويبدو أَنّ رئيس بلديّة الحدت ​جورج عون​، الّذي عرف كيف يُحافظ على الخليط الدّيموغرافيّ في منطقته، كان مثالاً في المحافظة على التّعايش في تلك النّاحية الحسّاسة من ​المتن​ الجنوبيّ، حتّى أنّه أَوجد طريقةً للتّعاطي مع أيّ خللٍ ديموغرافيّ قد يطرأ. حتّى أَنّه لفت إِلى أَن "قرار منع المُسلمين مِن الاستئجار في بلدة الحدت قد اتُّخذ حفاظًا على العيش المشترك وليس ضدّه"، مشدّدًا على أَنّ "هذا القرار دستوريٌّ ولا يُمكن أن نتراجع عنه من أجل مصلحة العيش المُشترك"، على اعتبار أَنّ من الممنوع على المسيحيّ في الحدت أَن "يبيع أو يُؤَجّر منزله ويترك أَرضه وينتقل إِلى ​جونية​ أَو كندا"... فالتّغيير الدّيموغرافيّ، لا يخدم العيش المُشترك...

لذا، وبما أَنّ الأمر الحاصل في بيروت الآن، على هذا القدر مِن الخُطورة، فقد بات لزامًا على الكُتّاب ​العدل​ الأَصيلين والمُكلّفين في بيروت، الامتناع نهائيًّا عن إِجراء أَيّ مُعاملةٍ تتعلّق بعقاراتٍ واقعةٍ ضمن المناطق العقاريّة المنكوبة، من جرّاء جُرم الغدر في ​انفجار​ ​مرفأ بيروت​، بدءًا من اتّفاقات البيع أَو عقود البيع أَو وعد بالبيع أَو وكالة عاديّة أَو وكالة غير قابلة للعزل أو تنازلٍ عن إِيجار أَو إنشاء أَيّ حقوقٍ شخصيّةٍ أو عينيّةٍ وأَيّ إِجراءٍ قانونيٍّ يُطاول هذه العقارات، تحت طائلة العُقوبات الجزائيّة والمسلكيّة.

وعلى وزير المال في حُكومة تصريف الأَعمال ​غازي وزني​، إِصدار القرار نفسه، على أَن تُنفّذه أَمانة السّجلّ العقاريّ في بيروت، وترفض قبول الاطّلاع على أيّ مُعاملةٍ تتعلّق بهذه العقارات. كما وأَنّ وزني مدعُوٌّ أَيضًا إِلى إِصدار قرارٍ يمنع الدّوائر الماليّة المُختصّة، عن قبول طلبات استيفاء رسم الطّابع الماليّ على هذه العقود، ومنع قبول طلبات القيم التّأجيريّة.

وأمّا وزير الدّاخليّة والبلديّات في حُكومة تصريف الأَعمال محمّد فهمي، فمدعوٌّ مِن جهته، إِلى إِصدار تعميمٍ إِلى البلديّات، يقضي بأن تمتنع عن قبول طلبات نقل إِفادة المُحتويات والشُّغور أَو التّصريح عن الإِشغال، وبخاصّةٍ، الانتباه إلى موضوع الايجارات القديمة بمنع التّنازل عنها". وهذا ما أَكّد النّائب ​هاكوب ترزيان​ العمل عليه، على اعتبار أَنّ "أَيّ مُتاجرةٍ أَو محاولةٍ لاستغلال أَحزان النّاس وآلامهم، هُما أَمران مرفوضان وممنوعٌ التّداول بهما، فبيروت منكوبة، والمعاناة تكفي".