منذ فوز الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​، عمل مستشاره ​جاريد كوشنر​ على إعداد "خطة سلام" للشرق الأوسط، توجّت في الأيام الماضية بالإتفاق الذي وصف بـ"التاريخي" بين دولة ​الإمارات العربية​ و​إسرائيل​، في توقيت هدفه دعم ترامب في الإنتخابات الرئاسيّة، المقرّرة في شهر تشرين الثاني المقبل، نظراً إلى أنه بحاجة إلى ​تحقيق​ إنجاز على المستوى الخارجي بعد أن تراجعت أغلب أوراق القوة التي كانت لديه على المستوى الداخلي.

في الفترة الماضية، سعى ترامب إلى محاولة تحقيق هذا الإنجاز على أكثر من جبهة، منها العلاقات مع ​الصين​ أو ​إيران​، لكنه فشل في تحقيق هذه الغاية، الأمر الذي دفعه للعودة إلى ورقة إتفاقات "التطبيع" بين عدد من ​الدول العربية​ و​تل أبيب​.

في إيجاز صحافي مع كوشنر، شاركت فيه "​النشرة​" أول من أمس، بدا من خلال المواقف التي أطلقها مستشار الرئيس الأميركي أن الهدف الأساسي ليس تحقيق ​السلام​ في المنطقة، بل حشد مختلف القوى في مواجهة إيران، بالرغم من إعلان ترامب، قبل أيام، أنه في حال إعادة إنتخابه سيذهب إلى توقيع إتفاق جديد مع ​طهران​.

بالنسبة إلى كوشنر، أساس السلام المزعوم إقتصادي بالدرجة الأولى، فهو كرر، أكثر من مرة، الحديث عن أن حياة ​الشعب الفلسطيني​ ستتحسّن عندما يقرر قادته إنهاء هذا الصراع، من دون أن يوضح الأسباب التي حالت دون تحقيق ذلك في مصر و​الأردن​، أول دولتين وقعتا إتفاق سلام مع تل أبيب، إلا أنّ الأخطر هو حديثه عن أن إسرائيل كانت على مدى السنوات الماضية مصدر إلهاء، استخدم من قبل الكثير من قادة المنطقة لصرف انتباه جماهيرهم عن أوجه القصور في أوطانهم.

وبناء على ذلك، لا سيما الأمثلة التي قدمها مستشار الرئيس الأميركي، يبدو واضحاً أن الهدف أو الخطة الحالية هي السعي إلى محاصرة إيران، عبر دفع المزيد من الدول العربيّة إلى إبرام إتفاقيّات سلام أو تطبيع مع إسرائيل، وبالتالي التركيز على أن منبع الخطر هو طهران لا تل أبيب، مع تقديم وعود برخاء إقتصادي مقابل حصار الدول أو القوى التي ترفض ذلك، ما يعني أنّ المطلوب التسليم بالخطة الأميركية أو التهديد بالموت جوعاً.

وفي حين كان ​لبنان​، على مدى الأشهر الماضية، موضع ضغوط إقتصاديّة من العيار الثقيل، ينبغي التذكير بأن خطة السلام المقترحة من كوشنير تتجاهل حق ​الفلسطينيين​ بالعودة إلى بلادهم، ما يعني أن ​بيروت​ على علاقة مباشرة بما يطرح في ظلّ تواجد أكثر من 500 ألف لاجئ فلسطيني على أراضها، مع ما يفتح هذا الأمر من سجالات ونزاعات على المستوى الداخلي، لكن ما يجب التوقّف عنده هو أن البعض من اللبنانيين يريدون الإنخراط في هذا المسار.

في هذا الإطار، هناك من يذهب بعيداً في طروحات معالجة ​الأزمة​ الحالية التي تمر بها البلاد، متخطياً طروحات تشكيل ​حكومة​ حياديّة أو الذهاب إلى إنتخابات نيابية مبكرة، عبر المطالبة بوضع لبنان تحت الوصاية الدوليّة، والطلب بزيادة الضغوط على القوى المحليّة من خلال سياسات العقوبات الأميركيّة، تمهيداً لتشكيل حكومة ذات صلاحيات تشريعيّة، لا يكون الهدف منها إبعاد القوى السياسية عن ​السلطة​ التنفيذية فقط، بل أيضاً تعطيل دور ​المجلس النيابي​ أيضاً، بالتزامن مع الدعوات إلى إسقاط ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​.

هذا الطرح "الصبياني"، لا يتجاهل فقط وجود قوى سياسية أساسيّة في البلاد لا تزال تحظى بالتأييد الشعبي، رغم تراجعها إلى حدّ كبير في الفترة الماضية نتيجة الواقع المحلّي المعروف، بل أيضاً يتجاهل المصالح اللبنانيّة في ملفّ الصراع العربي الإسرائيلي، ويريد أن يقدّم رؤية، على المستوى اللبناني، شبيهة بتلك المطروحة على المستوى المنطقة، كان قد ألمح إليها ​السفير الأميركي​ السابق في لبنان ​جيفري فيلتمان​، عندما وضع اللبنانيين بين إحتمالين: الرخاء المحتمل أو ​الفقر​ الدائم.

في المحصّلة، على مستوى المنطقة طرح كوشنر هو حصار إيران، أما على المستوى اللبناني فهو حصار "​حزب الله​"، عبر عناوين عبارة عن ضغوط إقتصادية يراد من خلالها الإيهام بأن لا خلاص إلا بالتسليم لما تريده ​واشنطن​ وتل أبيب، من دون أن يلغي ذلك أنّ فساد غالبية القوى السياسية المحلّية هو الذي يضع البلاد في هذا الموقع الخطر.