على وقع تسارع الأحداث في الشرق الأوسط، تلعب ​إيران​ أحجار الشطرنج على رقعتين، الأولى متعلقة بالتطور الكبير في المنطقة وهو تطبيع العلاقات بين ​إسرائيل​ والإمارات، والثانية المتعلقة بلعبة شدّ الحبال مع واشنطن، وسط كل التطورات المتعلقة بالبرنامج النووي والالتفاف الأوروبي حول طهران.

على الرقعة الأولى، تحوّل الوضع بين الدولتين المتشاطئتين بين ليلة وضحاها، من اجتماع بين ولي عهد الإمارات الشيخ محمد بن زايد ووزير الخارجية الإيراني ​محمد جواد ظريف​ أعطى آمال بحلول في المنطقة، إلى تهديد ووعيد وتخوين. وكل ذلك حصل عند ملامسة خط ​الأمن القومي الإيراني​.

بالنسبة لطهران، القضيّة لا تقتصر على الموضوع الفلسطيني فحسب، بل يرتبط الموضوع بأبعاد جيو-سياسية، فبعد هذا الإتفاق باتت اسرائيل تلامس الأمن الإيراني في الخليج الفارسي.

لكن السؤال هنا أبعد من المشهد السياسي، إذ أنه بات واضحاً والشرخ في العلاقات بات ظاهراً. الموضوع الأعمق في هذه العلاقات، هو مصير التجارة بين البلدين، خصوصاً أن نصف مليون رجل أعمال إيراني تقريباً يعملون في الإمارات، كما أن 10% من المعاملات التجاريّة التي تجريها طهران هي مع الإمارات. وبالتالي، بعيداً عن تأثر الحياة الرسمية السياسية، يبقى القلق الإيراني من هذا الإتفاق هو نسبة التأثير الإسرائيلي على القرار الإماراتي في الضغط على طهران اقتصادياً.

بعيداً عن هذه الرقعة التي تتأهب فيها إيران لمواجهة أيّ مخاطر ممكنة، تتفرغ طهران للرقعة الثانية التي قد تكون أكثر أهمية لارتباطها بالعقوبات الخانقة التي تفرضها أميركا إضافة لموضوع برنامجها النووي.

الحجر الأول الذي لعبته طهران هو التقرّب من الأوروبيين وتبديد هواجسهم. هذه الخطوة استدعت دعوة الجمهورية الاسلامية لمدير عام ​الوكالة الدولية للطاقة الذرية​ رافاييل ماريانو غروسي لزيارة البلاد، في أول زيارة رسمية له. ستشمل الكشف على موقعين، في أصفهان وطهران، لدى الوكالة شكوكاً بناء على معلومات استخباراتيّة اسرائيليّة أنما يُستخدمان لتخزين اليورانيوم الخام ولاختبار تفجير رؤوس نووية.

فجاءت هذه الخطوة الإيرانية لتنهي كل الاتهامات لها بأنها تعرقل عمل المفتشين، ولحل المشاكل مع الوكالة الدوليّة خصوصاً تلك المتعلقة بالدول الأوروبيّة بعد أن قامت كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا بإدانة طهران في الوكالة سابقا.

بهذا التوجه، تقدّمت طهران على واشنطن بخطوة، وكسبت ود الأوروبيين الموجود أصلاً، وأولى ملامحه ظهر رفض الدول الأوروبية، إضافة للصين و​روسيا​، تمرير واشنطن لقانون في ​مجلس الأمن​ يمدّد حظر بيع الأسلحة، إضافة لمواجهة هذه الدول الأحادية في التصرف المتّبعة من قبل الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​. كما ترجم ذلك بدعوة اللجنة الموقعة على الاتفاق النووي للانعقاد في شهر أيلول المقبل، مع التشديد الأوروبي على التمسك والالتزام بهذا الاتفاق.

هذا التقارب مع ​أوروبا​، يقابله شراسة في التعامل مع أميركا، خصوصاً بعد زيارة وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي إلى روسيا في جولة على معارض الأسلحة هناك، إضافة للقاءات الاقتصاديّة المتبادلة مع تركيا، ما يضع طهران في مراحل متقدّمة كاسرة العقوبات الأميركيّة.

أمام كل ذلك، ظهر أيضاً تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي كان شديد التفاؤل بعد اعتباره أن "​ايران​ ستعقد صفقة معنا خلال شهر إن لم يكن خلال أسبوع بعد فوزي بالانتخابات الرئاسية".

إن هذا الواقع، يفرض نفسه أيضا على لبنان، فلا الإدارة الاميركية تستعجل التسوية، ولا القيادة الإيرانية تضع ثقلها في الوصول الى الحل!.