أشارت صحيفة "​الشرق الأوسط​"، نقلاً عن مصادر واسعة الاطلاع في ​باريس​، إلى أن "​الرئاسة الفرنسية​ لم تتخذ بعد قراراً بالنسبة للزيارة الثانية التي وعد الرئيس ​إيمانويل ماكرون​ القيام بها إلى لبنان في الأول من شهر أيلول المقبل، عقب زيارته إلى لبنان بعد الانفجار المدمر الذي وقع في ​مرفأ بيروت​ في الرابع من الشهر الجاري".

ولفتت الأوساط إلى "وجود رأيين، الأول يرى أن الزيارة لن تكون ذات معنى إذا عاد ماكرون إلى بيروت فيما مناحرات المسؤولين السياسيين على أشدها، وفي غياب حكومة جديدة أو على الأقل تكليف شخصية يتم التوافق حولها لتشكيلها. والحال، أنه بعد مرور أسبوعين على استقالة حكومة ​حسان دياب​، لم يعمد ​رئيس الجمهورية​ ​ميشال عون​ بعد إلى تعيين موعد الاستشارات الملزمة لتسمية رئيس جديد، كما أن الشروط والشروط المضادة التي تضعها الأطراف لا تنبئ بأن شيئاً كهذا يمكن أن يحصل في القريب العاجل. أما الرأي الثاني فيعتبر أن وجود ماكرون في بيروت يمكن أن يشكل عامل ضغط على المسوؤلين السياسيين لملء الفراغ المؤسساتي، كما أن زيارته الأولى سرعت في إسقاط حكومة دياب".

كما أكدت أن "نقطة التلاقي بين الرأيين هي النظر بكثير من الأسى لما هو حاصل في لبنان، حيث يريان أن السياسيين يتصرفون كأن لا كارثة جديدة ضربت بلدهم أو أن أوضاعهم الاقتصادية والمالية والاجتماعية والصحية في أفضل حال"، موضحةً أنه "سيكون أمراً مأساوياً أن يهدر اللبنانيون الفرصة الفريدة المتاحة لهم والمتمثلة باهتمام العالم بهم ورغبته بمساعدتهم"، مذكرة بأن "ماكرون كان سباقاً في التوجه إلى بيروت بعد أقل من 48 ساعة على كارثة المرفأ. وتبدو باريس مقتنعة أن المبادرة الفرنسية لعبت دور المحرك للأطراف الأخرى عربياً وإقليمياً ودولياً لمد يد العون للبنان".

ونوهت الأوساط بأن "باريس ترى اليوم أن الوضع السياسي في لبنان جامد ومجمد، وأن الاستمرار على هذا المنوال ستكون من نتائجه تراخي الدعم الدولي، وهي تعزو السبب في ذلك إلى أن السلطات والمسؤولين السياسيين يعتبرون أنهم نجحوا في امتصاص الصدمة وعادوا للتصرف، كأن أمامهم الوقت الكافي وربما اللامحدود لترتيب مصالحهم وفق التقليد اللبناني المعروف". وشددت على أن "تركيز باريس يذهب إلى الدعوة للاهتمام بالملفات الاقتصادية والمالية وترك ال​سياسة​ في هذه المرحلة جانباً بانتظار الانتخابات القادمة، أكانت مبكرة في مواعيدها العادية. ولذا، فإن الاهتمام اليوم منصب على شخصية سنية ذات خبرة مرموقة في شؤون الاقتصاد، تحظى بدعم سني وبقبول ودعم رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ حتى لا تتكرر تجربة حسان دياب".

وأوضحت أن "المعضلة مع الحريري أنه، حتى اليوم، لم يحظَ بالدعم المطلوب لا محلياً ولا عربياً، فيما أطراف كثيرة لا تريده مجدداً في ​السرايا الحكومية​. يضاف إلى ذلك أن الحريري لا يرغب في حرق نفسه وتكرار تجربته الماضية إذا جاء بحكومة شبيهة بالحكومة التي استقالت تحت ضغط الشارع". ولفتت غلى أن "ماكرون شدد على ضرورة القيام بإصلاحات، فقد أشار إليها كعناوين كبيرة. إلا أن الدوائر الفرنسية عملت على تفصيلها، بحيث يمكن أن تشكل أساساً لما تريده الأسرة الدولية من لبنان".

بالتوازي، لفتت "الشرق الأوسط"، إلى أن "الورقة الإصلاحية الفرنسية تتضمن ستة بنود، اثنان منها لا يفترض أن يحصل اختلاف بصددهما بين اللبنانيين؛ وهما، من جهة، تمكين الحكومة و​القطاع الصحي​ من مواجهة التفشي المتصاعد لوباء الكورونا فيروس بشكل يثير القلق. أما البند الثاني بالغ الإلحاح، فيتناول إعادة بناء وإعمار ما هدمه الانفجار الأخير. وترى باريس أنه بصدد هذين الأمرين، يتعين توافر وحدة موقف بين الجميع. أما المقترحات الإصلاحية فتتناول أربعة قطاعات والقطاع الأهم والأكبر فيها عنوانه الطاقة والملف الأكبر فيها هو الكهرباء المسؤولة عما لا يقل عن 40 بالمائة من الديون. ويلي الطاقة ​قطاع الاتصالات​ الذي يفترض أن تغلب عليه أيضاً الشفافية الضائعة، بحيث إن القطاع الأول يمكن أن يخفف عن الدولة أعباء مالية فيما الثاني يستطيع مدها بإمكانات مالية جديدة. وفي المقام الثالث يحل الشق المالي بما يتطلبه من الحاجة لتدقيق مالي وتحديد الخسائر والعجوزات بشكل علمي كمقدمة لمعاودة المفاوضات مع ​صندوق النقد الدولي​ الذي لا مساعدات خارجية من غير المرور به. وأخيراً، تأتي الإصلاحات بما خص ​محاربة الفساد​ والوصول إلى قضاء مستقل وإلى الشفافية في العروض الحكومية والمناقصات وخلافها".

وشددت على أن "باريس لا تعتبر أن هذه المطالب فرض من الأطراف الخارجية على لبنان، بل إنها بالدرجة الأولى المطالب التي رفعها اللبنانيون الذين نزلوا إلى الشوارع والساحات منذ 17 تشرين الأول الماضي"، منوهةً بأنه "تبقى مسألة أخيرة ينظر إليها الجانب الفرنسي بكثير من القلق، وهي المعلومات التي تفيد بأن لبنان لم يعد يمتلك القدرات المالية لدعم المواد الاستهلاكية الأساسية سوى لشهرين أو ثلاثة. فبعد التخلف عن دفع الديون المترتبة على القروض "اليوروبوندز" في حزيران الماضي، وتراجع لبنان لدى مؤسسات التصنيف الدولية، يأتي هذا التخلف، في حال لم يتم تداركه سياسياً واقتصادياً ومالياً ليزيد من أعباء اللبنانيين".