عادت الى الواجهة مجدداً مسألة ​الاستشارات النيابية​ الملزمة، وذلك بعد ان اعلن رئيس الحكومة ​حسان دياب​ استقالة حكومته، واتجهت الانظار بشكل فوري الى رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ لتحديد موعد للاستشارات التي تكَلّف على اساسها الشخصية التي يسمّيها النواب ل​تشكيل الحكومة​ الجديدة. وفي ظل عدم تحديد عون لموعدها بشكل سريع، تصاعدت اصوات من كل الاتجاهات تطالبه بالاسراع في ذلك وتطبيق الدستور الذي اقسم على احترامه، كما اتهمه آخرون بـ"السيطرة" على صلاحيات النواب ورئيس الحكومة.

وبغض النظر عن الاسباب التي تدفع عون الى عدم تعيين الموعد بعد اكانت لمصلحة عامة او شخصية وفق الاتهامات، يبرز سؤال واضح يتعلق بمصير هذه الاستشارات في ظل الانقسام السياسي الحاصل، والغموض الذي يلفّ مواد الدستور في اكثر من حالة، كما حصل عند ​الفراغ الرئاسي​، والتأخير في تشكيل الحكومة، وغيرها من الاحداث التي شهدناها على مرّ العقدين الماضيين.

وفي عودة الى موضوع الاستشارات، فقد نصّ ​الدستور اللبناني​ في الفقرة الثانية من المادة 53 منه على التالي: "يُسمّي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلّف بالتشاور مع رئيس ​مجلس النواب​ إستناداً إلى إستشارات نيابية ملزمة يُطلعه رسمياً على نتائجها". اكتفت المادة بهذا المقدار من التفاصيل، ولكن، بما ان لبنان يتمتع بتركيبة غريبة على الصعد الطائفية والشعبية والرسمية، ويقوم على التفاهمات والتسويات اكثر منه على القانون والدستور، فيمكن ان نقع في مشكلة كبيرة اذا ما تمّت التسميات. وتكثر الاجتهادات التي تحضر من كل ميل وصوب ومن قبل خبراء في الدستور وقضاة ومحامين وتشريعيين في تفسير حالات عدة قد تطرأ ومنها على سبيل المثال: عدد الاصوات التي يجب ان ينالها الشخص المسمّى وهل تكون بغالبيّة عدديّة او بغالبيّة الثلثين، في ظلّ الاتفاق على عدم القبول بتفويض نواب لرئيس الجمهورية التسمية عنهم (قالها الرئيس عون بشكل علني سابقاً)، هل يجب مراعاة الميثاقية ام لا، بمعنى انه هل يجب ان تتمتع الشخصية السنّية المسمّاة بغالبية سنّية من النواب المشاركين في الاستشارات؟، وفي حال انقسمت آراء هؤلاء وتوزعت اصواتهم بين اسمين فما الذي يجب ان يحصل عندها؟، واذا لم يحصل احد على غالبية الاصوات اكانت عددية ام ميثاقية، فسنعود الى الغموض مجدداً لانّ على رئيس الجمهورية الدعوة الى استشارات جديدة لنعود الى الحلقة المفرغة نفسها لناحية تحديد الموعد الجديد والاسئلة نفسها التي تم طرحها.

من هنا، تكمن اهميّة التوافق الذي يجب ان يحصل بين الاحزاب والتيارات السياسية التي يتشكل منها مجلس النواب، بحيث تأتي التسمية وفق ما هو متوقع، وتحت اي صفة يمكن ان تعطى لها: "تقاسم الحصص"، "توزيع الحقائب"، "ارضاء الخارج"... والنتيجة عندها واحدة وهي انه لا يمكن تسمية احد من دون اتفاق عليه، والا تتعقد الامور اكثر واكثر. وفي ظلّ الدعوات المتكرّرة الى اجراء تغييرات جذرية في الحياة اللبنانية، من الواجب ان نبدأ، ليس في تغيير الدستور، بل في شرح وتشريع توافق على نقاط غامضة ومبهمة فيه، كي لا نفتح المجال في كلّ مرة الى الاجتهادات التي تأتي لمصلحة هذا الفريق او ذاك، وفق التوجه السياسي او الطائفي، فتكون الامور اما سوداء او بيضاء دون افساح المجال امام اللون الرمادي.

ولأنّ عون المستفيد من تحديد موعد الاستشارات، ولو انّه (صورياً) يكون قد نقل الكرة الى ملعب النواب، ولكن في المقابل سيتعاطى مع الكثير من الاقاويل والاتّهامات بالتلكؤ وعدم قيامه بما يلزم لملء الفراغ الحاصل، وسيواجه عندها موجة اكبر من المشككين والمطالبين بتغييره، في ظلّ غياب القدرة على البتّ بالمسألة.