اتوجّه في مقالي اليوم الى شباب ​لبنان​ وشاباته، الذين نزلوا الى ساحات ​بيروت​ بعد الانفجار الأليم في المرفأ، نزلوا بحزم، من دون اي اعتبارات، ليكنسوا الشوارع ويزيلوا الركام والزجاج، وينظفوا الشوارع، حاملين المكانس والاكياس.

أتوجّه اليكم تحديداً، لأنّ مشهد تضامنكم وجهدكم اعطاني أملاً جديداً، في انّ لبنان قادر على ان يتحوّل بلداً قوياً باقتصاده وثروته غير الملموسة المتمثلة بعقول وجهود شاباته وشبابه.

والأهم، اتوجّه اليكم لتعلّموا الجميع وتثقفوهم، على أنّ الشغل «مش عيب» وليس هناك عمل ادنى مرتبة من عمل آخر. هذه المبادرات التي بدأتموها ستؤسّس لطريقة تفكير جديدة، بأنّ الاعمال كلها متساوية، مهما كانت المراكز، ولا شيء يميّز عاملاً او موظفاً او وزيراً او فلاحاً او عاملاً في المنازل، الّا الكفاية والاجتهاد في العمل ونظافة الكف والأمانة.

لقد اظهرتم للعالم انّ كنس الطريق ورفع الزجاج وتقديم الطعام والتنظيف ليست عيباً، بل انّ سرقة ​المال​ العام والكذب والاهمال وعدم الشفافية هي العيب.

كل عمل منتج هو عمل شريف. صحيح انّ هناك أعمالاً تحتاج الى قدرات علمية او قدرات جسدية او دراسات طويلة ليست في متناول كل شخص، ولكن المطلوب من الجميع ان يستغل القدرات التي يملكها بأحسن طريقة ممكنة ولو كانت محدودة.

غير ذلك، كل الاعمال متساوية، ولا حق لرب عمل على عامل الّا بحدود مهمات العمل ومتوجباتها، فلا يحق لأي رب عمل إهانة اي عامل يعمل لديه، ولا يحق لأي سيدة اهانة من تساعدها في اعمال المنزل. من يقوم بذلك هو ساقط اخلاقياً وفكرياً ويستحق الاحتقار.

لقد قدّم شباب لبنان وشاباته صورة مغايرة لما تعوّدنا عليه في لبنان. لقد تعودنا ان ننظر الى بعض الاعمال، مثل تنظيف الطرق والاعمال اليدوية في ​الزراعة​ وفي ​البناء​ او في البيوت، على أنّها غير شريفة، ونسعى الى اعطائها لوافدين من بلدان أخرى، وهذا خطأ يكلّفنا كثيراً، في الوقت الذي يعاني لبنان من نسبة بطالة مرتفعة.

وذلك يؤدي الى دفع أموال ليست بقليلة، لأشخاص يرسلون الجزء الاكبر منها الى الخارج. امّا لو كانت هذه الاعمال بيد لبنانيين، فالمال الذي يُدفع لهم يعود ويُصرف في لبنان، أي انّه لا يخرج من اقتصادنا.

أدعو شبان لبنان وشاباته الى تعزيز هذه الافكار، و​تقديس​ فكرة العمل وتعليم الآخرين على انّه لا يوجد عمل ادنى رتبة، لأنّ المرحلة المقبلة تحتاج الى سواعد الجميع، تحتاج الى شبان وشابات لبنانيين يعملون في كل الوظائف اليدوية وغيرها.

ستبنون بيروت مجدداً، وستؤسسون لمرحلة جديدة، اساسها العمل المنتج بلا خجل من اي وظيفة او مهنة، لأنّ اقتصادنا لن ينمو الّا بسواعد ابنائه، الذين قدّموا للعالم صورة حضارية عن التضامن والتعاون وحب العمل.