في الوقت الراهن، تبدي أغلب القوى السياسية الفاعلة إرتياحاً للدور الفرنسي المستجد على الساحة المحلية، لا سيما بعد نجاحه في إبرام تسوية سياسية قادت إلى تأمين رؤساء الحكومات السابقين غطاء سنياً لرئيس الحكومة المكلّف ​مصطفى أديب​، على عكس ما كان عليه الوضع مع رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب، لكن في المقابل هناك أسئلة التي من المفترض أن تطرح، حول ما إذا كان ذلك سيقود إلى مرحلة من الإستقرار في الشارع؟.

من حيث المبدأ، هناك العديد من الجهات، المتحالفة والمتخاصمة، غير راضية عن المسار الفرنسي المستجدّ، أو بالحدّ الأدنى لم تلتحق به، منها ​تركيا​ والدول الخليجيّة المعنيّة بالساحة ال​لبنان​يّة، فأنقرة اليوم في موقع التنافس مع باريس على النفوذ والمصالح في البحر الأبيض المتوسط، وهي عبرت عن ذلك في أكثر من مناسبة انتقدت فيها الحضور الفرنسي في لبنان، أما الدول الخليجيّة، التي من المفترض أن تكون منطقياً أقرب إلى الدور الفرنسي في ظل تنافسها مع الدور التركي، لم تلتحق بالمبادرة الفرنسية بشكل واضح وعلني، لا بل يمكن القول إنها لم تبد موقفاً حاسماً على هذا الصعيد.

ما تقدّم يقود إلى معادلة لا لبس فيها، الغطاء الفرنسي قد يضعف باقي القوى الإقليميّة الفاعلة على الساحة المحلّية، لكنه لا يلغي قدرتها على التحرك، وبالتالي السعي إلى إحباط المسار الذي تقوده باريس، سواء كان ذلك بالسياسة أو بالشارع.

تشير مصادر سياسية مطّلعة عبر "النشرة"، الى أن الرسالة الأولى التي أطلقها الفريق الداخلي المعارض للمبادرة الفرنسية في لبنان كانت بتحركات الشارع نهار الثلاثاء الماضي، حيث هبّت المجموعات نفسها التي كانت تثير الشغب في السابق، والتي تأتي من طرابلس الى وسط بيروت للتخريب والعبث بالأمن، مشدّدة على أن الوجوه الأساسية لهذه التحركات أصبحت معلومة لدى القوى الأمنيّة، ولعلّ وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي كان الأكثر جرأة عندما تحدث عن دور دولة إقليميّة في تسيير "تظاهرات الشغب" في بيروت.

واللافت هذه المرة بأحداث الشارع انها لقيت معارضة واسعة من قبل الناشطين بتيار "المستقبل"، الذين وبعد سقوط حكومة حسان دياب، ووصول مصطفى أديب المسمّى من قبل النائب ​سعد الحريري​، تحدّثوا بوضوح عن دور شخصيات لبنانية في أحداث الشغب، ولو من دون تسميتهم بشكل مباشر، ولكن بحسب المصادر فإنّ ​تيار المستقبل​ قرر عدم السكوت بعد اليوم عن دور هؤلاء، خصوصا بعد المزايدات التي يمارسونها بوجه الحريري.

وتضيف المصادر: "تحدثنا سابقا عن دور تركيا المشاغب في لبنان، وبالتالي أقصى ما يمكن لها فعله عبر الحلفاء في الداخل في المرحلة المقبلة هو تحريك الشارع في بعض الأحيان، علما أن ​القوى الأمنية​ باتت تفكر جديا في وضع حد نهائي لمثيري الشغب عبر توقيف المحركين"، مشيرة الى أنه بالشق السياسي فلا يبدو أن بإمكان هؤلاء صناعة الفرق أو حتى التأثير على مسار التشكيل.

أما بالنسبة لمعارضي التسوية من "قوى ​14 آذار​"، فهم بحسب المصادر يحاولون الحصول على الدعم الأميركي للمواجهة، ولكن ​الولايات المتحدة الأميركية​ لا تريدها اليوم في لبنان، وبنفس الوقت لا تريد ترك هؤلاء بشكل كامل، لذلك فهم أيضا لن يستطيعوا الوقوف بوجه المسار الفرنسي حاليا، وبحال أرادت جهة ما عرقلته فلا يوجد أقوى من الاميركي للقيام بذلك.

لا يمتلك المنافسون في لبنان نفس الأسلحة للمواجهة، لذلك فإنّ الامر الوحيد الذي يمكن أن يعرقل مسار ​فرنسا​ الحالي، هو القوى السياسيّة نفسها التي وعدت السير به.