منذ اللحظة الأولى لتسمية رئيس الحكومة المكلف مصطفى ديب، تطرح الكثير من الأسئلة التي دفعت رؤساء الحكومات السابقين: نجيب ميقاتي، ​فؤاد السنيورة​، تمام سلام، ​سعد الحريري​، لتأمين الغطاء الطائفي له في هذه المرحلة الحساسة، بعد أن تولوا خوض المواجهة مع رئيس حكومة ​تصريف الأعمال​ ​حسان دياب​ في الفترة الماضية، في ظلّ عدم وضوح الموقف الخليجي من الخيار الجديد المدعوم من الجانب الفرنسي.

حتى ​الساعة​، توحي بعض المؤشرات أن الجانب السعودي غير راض عن الخيار الذي ذهب إليه رؤساء الحكومات السابقين، نظراً إلى أن ​الرياض​ كانت تفضل خيار تسمية السفير السابق نوّاف سلام، الأمر الذي عبّرت عنه بعض الأوساط المقربة أو المحسوبة عليها، لكن في المقابل هناك من يؤكّد أن رؤساء الحكومات السابقين ما كانوا ليذهبوا لتسمية أديب فيما لو تبلغوا قراراً حاسماً على هذا الصعيد.

في هذا السياق، تشير مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أنّ ​السعودية​ لم تبدِ أي موقف معارض أو مؤيّد لتسمية رئيس الحكومة المكلف، في حين أن من يتولّى التسويق لنظرية رفضها له ربما كان يطمح لتتبنى وجهة نظره، وتلفت إلى أن هذا لا يعني أنها موافقة بأي شكل من الأشكال، بل هي أقرب إلى الموقف الأميركي الذي يوحي بالرغبة في الإنتظار بعض الوقت.

هذا الواقع، بحسب ما تؤكد المصادر نفسها، يعود إلى قوّة الدفع التي تتمتع بها التسوية الجديدة، أيّ الدعم الفرنسي الواضح الذي عبّر عنه الرئيس ​إيمانويل ماكرون​ بشكل حاسم، فهو يتولّى شخصياً الإشراف على مسار ​الأزمة​ ال​لبنان​يّة، وبالتّالي تفضّل الرياض عدم الدخول في صدام مع باريس الساعية إلى إعادة تعزيز حضوره في منطقتي الشرق الأوسط والبحر المتوسط، لكن من دون إعطاء شيك على بياض.

وتلفت هذه المصادر إلى أنّ الجانب السعودي لا يعرض الشعارات التي ترفعها فرنسا، لناحية دعوات الإصلاح و​مكافحة الفساد​ المالي والإداري، لكن في المقابل ما يهمها أبعد من ذلك يتعلق بالجانب السياسي من الأزمة، وتحديداً دور "​حزب الله​" على المستويين المحلي والإقليمي وعدم تحويل لبنان إلى ساحة صدام معها، في حين أن ماكرون تجنّب الدخول في هذا المسار، لإدراكه أن ذلك سيقود إلى إجهاض الجهود التي يقوم بها.

بالعودة إلى موقف رؤساء الحكومات السابقين، ترى المصادر السياسية المطلعة أنهم نجحوا في تسجيل أكثر من منطقة من خلال عدم معارضتهم المبادرة الفرنسية والذهاب إلى التعاون معها عبر تسمية أديب، فهم قبل أي أمر آخر نجحوا في تكريس مرجعيتهم السياسية والمذهبية بالنسبة إلى إختيار الشخصية التي تتولى المنصب السنّي الأول في الجمهوريّة، وبالتالي لا يمكن تجاوز رأيهم في المرحلة المقبلة.

وبالتالي، من وجهة نظر المصادر نفسها، حجزوا موقعاً لهم في المعادلة في حال نجاح التسوية الفرنسيّة، في المقابل لم يقدّموا أيّ تنازل عملي من رصيدهم، خصوصاً أنهم لم يذهبوا إلى تسمية واحد منهم، على عكس ما كان يراهن البعض بالنسبة إلى عودة الحريري أو سلام إلى ​السراي الحكومي​، وبالتالي يستطيعون سحب الغطاء أو الثقة التي منحوها متى وجدوا مصلحة في ذلك.

بالتزامن، ترى هذه المصادر أنّ الحريري قد يكون المستفيد الأول من هذا الواقع، فلا هو سمّى شخصية مقربة منه فشلها يرتد سلباً عليه، ولا هو وقف بوجه المبادرة الفرنسية التي تعزز علاقاته مع الفريق الشيعي، الذي بقي وحيداً يدعم عودته إلى رئاسة الحكومة، في حين تخلّى عنه الجميع من حلفائه وخصومه، ما يعني أنه سيبقى الخيار الأول بالنسبة إلى هذا الفريق، بعد أن سلّفه تسوية في لحظة صعبة يمرّ بها هذا الفريق.

في المحصلة، لم يغامر رؤساء الحكومات السابقين بشكل كامل في هذا الخيار، لا سيّما في ظل تضامنهم في تبنيه، بانتظار ما ستكشفه الأيام المقبلة لناحية القدرة على تحسين شروطهم في التشكيل، أو لناحية معرفة قدرة الجانب الفرنسي على إنجاح مبادرته في الظل التفاوت في المواقف منها، محلياً وإقليمياً ودولياً.