اشار متروبوليت ​بيروت​ وتوابعها للروم الأرثوذكس ​المطران الياس عودة​ الى ان الحروب التي شنت على بلدنا كثيرة، وأنواعها متعددة. حاولوا تدميره بالسلاح، فقام من تحت الركام، حاولوا تغيير وجهه الثقافي فلم يستطيعوا، لكنهم ما زالوا يحاولون. عملوا على تهجير أدمغته، ومن لم يهاجر اغتالوه. حاربوا القيم والأخلاق من خلال زعزعة أسس العائلة، ولا يزالون. لبنان الصغير بين إخوته، هو كبير بأبنائه، الذين يدهشون العالم كل حين، أينما حلوا، وقد أدهشوه أكثر بعد آخر نكبة أصابتهم قبل شهر من اليوم. ظنوا أنهم سيصغرون لبنان إن فجروه وشرذموا أبناءه، إلا أن الكارثة أعادت اللحمة بين إخوة الوطن الواحد. لبنان ليس حبرا على ورق، بل هو واقع يتجلى كل حين بقيامة تلو الأخرى. لبنان لا يكبر بالمهرجانات الخطابية، ولا بالاستنكارات والوعود. لبنان يكبر بالأفعال، وخصوصا إذا كانت أفعال محبة وصدق وتضحية كالتي شاهدناها أخيرا. لبنان لم يقتله التفجير الذي أصاب قلبه، عاصمته الحبيبة بيروت، بل كان هذا التفجير صدمة كهربائية أعادت لهذا القلب نبضه، على الرغم من الموت والدمار الذي خلفهما".​​​​​​​

وخلال قداس الأحد في كاتدرائية القديس جاورجيوس وسط بيروت​​​​​​​، لفت عودة الى ان "الكارثة وحدت سكان بيروت المنكوبة، والأمل بإعادة بنائها جمعهم. لبنان يكبر بأبنائه المتحدين، الممسكين بعضهم بعضا يدا بيد، ويصغر بأبناء يرفعون السلاح في وجه بعضهم يتقاتلون أو يغدرون بعضهم بخنجر في الظهر. لبنان، هذا الكرم الذي نهبه العملة الذين سلمهم إياه الله ليرعوه، سيندمون عندما يقوم البلد من كبوته، وهناك يكون البكاء وصريف الأسنان. الدينونة التي تنتظرهم عظيمة، لأنهم أهملوا الأمانة وأساؤوا التصرف وعندئذ يهلك (السيد) أولئك الأردياء أردأ هلاك ويسلم الكرم إلى عملة آخرين يؤدون له الثمر في أوانه. بلدنا في حاجة إلى عملة يخافون الله، ويعملون بناموس المحبة. ما نراه اليوم لا مكان للمحبة فيه. كل ما يقوم به الفعلة الحاليون يجلب الموت البطيء على الذين لم يقضوا أجلهم بتفجير أو حادث سير ناتج عن إهمال السلامة العامة، أو غير ذلك من أساليب القتل المعنوي التي تهدد عيش المواطن ومستقبله".

وتابع: "المواطن فقد الثقة بدولته وحكامه. من أجل استعادة هذه الثقة يلزمنا عمل دؤوب يرتكز على الجدية والشفافية والموضوعية. يلزمنا إصلاحات جذرية تستأصل كل سرطان الفساد والمحسوبية والارتهان، وكل آفات هذا المجتمع. نحن بحاجة إلى تغيير سلوكنا تجاه وطننا والتوقف عن استغلاله من أجل المصالح الشخصية. نحن بحاجة ماسة إلى أناس أوفياء للبنان. نحن بحاجة إلى دم جديد من أجل إدارة البلاد وإلى رؤية جديدة تدخل لبنان في منهجية جديدة قائمة على تطبيق الديموقراطية بكل مفاهيمها، وفصل السلطات، وتحصين القضاء بإبعاده عن ال​سياسة​ والسياسيين، واحترام الدستور وتطبيقه، واعتماد المساءلة والمحاسبة، والاقتصاص من كل من يتخطى القوانين أو يسيء إلى الوطن كائنا من كان. المواطن يتطلع إلى دولة المواطنة والقانون والعدالة والمساواة. نحن نتطلع إلى دولة واحدة موحدة، إلى شعب واحد لا شعوب، إلى انتماء للوطن لا غش فيه، إلى قرار واحد للدولة لا قرارات متعددة. نريد دولة قوية متينة الكفاءة فيها هي المعيار لا المحسوبية، والقانون يضمن فيها المساواة بين المواطنين فيكونون مواطنين في دولة، متساوين في الحقوق والواجبات. نريد دولة لا شراكة فيها، لأن الشراكة تقتضي شركاء يتقاسمون الحصص، ونحن بحاجة إلى مواطنين ينتمون إلى وطن يحفظون حدوده من كل خطر، يحترمون دستوره ويطبقون قوانينه، ويصرخون كلنا للوطن، ويرددون كلنا للوطن، لا يرضون بوطن سواه".

وسأل: "من سيعمل على تطبيق هذه المبادىء والإصلاحات؟ أعتقد أن بانتظار مجلس الوزراء الجديد عمل جبار. ولكي يقوم بهذا العمل نتمنى أن يكون أعضاؤه من ذوي العلم والخبرة والكفاءة والنزاهة والضمير الحي والقلب المحب. عليهم أن يشكلوا فريق عمل متجانسا، بعيدا من المناكفات والمحاصصات، يتحلون بالجرأة والإقدام، وهدفهم بناء دولة حديثة لا فساد فيها ولا اهتراء. عليهم أن يكونوا قدوة في محبة الوطن والتضحية من أجله لا استغلاله وإغراقه في المشاكل والديون".​​​​​​​