لم تمنع الانشغالات السياسية اللبنانية لجهة ​تشكيل الحكومة​ العتيدة واستمرار لملمة جراح ​انفجار مرفأ بيروت​ الكارثي بعد مرور شهر ونيف على وقوعه، من الاهتمام بمتابعة زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" ​إسماعيل هنية​ الى لبنان على رأس وفد قيادي رفيع المستوى، بعدما خرقت الجمود الفلسطيني لجهة العناوين التي حملتها، وأبرزها توافق جديد على انهاء الانقسام الفتحاوي–الحمساوي وانجاز المصالحة بعد طول انتظار.

واكتسبت زيارة هنية، أهمية خاصة في توقيتها، اذ جاءت وسط الضغوطات الاميركية المتزايدة لتصفية ​القضية الفلسطينية​ بدءا من "​صفقة القرن​"، وصولا الى النجاح بتطبيع العلاقات بين "​اسرائيل​" والامارات العربية المتحدة بعيدا عن الاجماع العربي، وفي مكانها لبنان، الذي يعتبر مركز الثقل في المخيمات الفلسطينية في الشتات، اذ يضم عددا كبيرا من اللاجئين وقواهم السياسية، عدا عن كون الكثير من الأمناء العامين للفصائل موجودين فيه أو بالقرب منه في سوريا، ما يسهل التلاقي بينهم.

وأوضحت مصادر فلسطينية لـ"النشرة" أنّ زيارة هنية تضمّنت اربعة مهمّات رئيسية:

-الاولى: وهي الابرز في جدول الاعمال، مشاركته في لقاء الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية الذي عقد ما بين سفارة دولة فلسطيبن في بيروت ورام الله برئاسة الرئيس الفلسطيني ​محمود عباس​، عبر تقنية "فيديو كونفرنس"، في استعادة لمشهد الحوار في القاهرة الذي جرى العام 2014، الى جانب الامين العام لحركةالجهاد الاسلامي زياد النخالة، نائب الأمين العام للجبهة الشعبية أبو أحمد فؤاد، نائب الأمين العام لـ"القيادة العامة" الدكتور طلال ناجي، نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية فهد سليمان والامين العام لمنظمة "الصاعقة" معين حامد، بهدف انهاء الانقسام وانجاز المصالحة وصولا الى ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي لمواجهة المخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية، من "صفقة القرن"، الى محاولة تهويد القدس والقرار الاسرائيلي بضم اجزاء من الصفة والاغوار والحصار على غزة الى إعلان موقف موحّد من رفض التطبيع.

وقرأ مراقبون، مؤشرات جدية على نجاح لقاء الامناء العامين لانهاء الخلافات، أولها: ان لقاء لا تكمن أهميته فقط في تلاقي مختلف الوان الطيف الفلسطيني، بل كونه للمرة الاولى جاء بإرادة فلسطينية محضة وبدون وساطة او رعاية، ما يشير الى قناعة بضرورة ابعاد القضية عن "المحاور" في المنطقة وابقائها القضية المركزية من جهة، وادراك خطورة المرحلة ودقّتها وما يتطلب انهاء الانقسام. وثانيها: تكمن في تأكيد "تحالف القوى الفلسطينية" ومن بينها حركتي "حماس" و"الجهاد الاسلامي" و"القيادة العامة" و"الصاعقة" المقربتين من سوريا، على مرجعية "منظمة التحرير الفلسطينية" كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني وافشال كل محاولات ايجاد "البديل" او "الرديف" سواء بالترغيب او الترهيب وهذا الموقف يريح الرئيس عباس وحركة "فتح" ومعها فصائل "المنظمة"، على ابقاء القرار الفلسطيني مستقلا وعلى الرغبة في الشراكة، وان اي خلاف يبقى محصورا في الاطر الداخلية التي يمكن تسويتها مهما بلغت، مقابل مواقف الرئيس الفلسطيني في اعلان حلّ السلطة من الاتفاقيات مع اسرائيل ومقاطعة الادارة الاميركيّة في عهد رئيسها دونالد ترامب، وهو ما يريح "حماس" و"الجهاد" وباقي القوى المعارضة لاتفاقيات "اوسلو" ومندرجاتها"، وكلها شكلت فرصة ذهبية على التلاقي والوحدة، وثالثها: الاتفاق على تشكيل لجان متابعة ووفق مهل زمنية محددة، ومنها لجنة "انهاء الانقسام الفتحاوي–الحمساوي، ولجنة تفعيل "المنظمة"، ولجنة "تطوير المقاومة الشعبية الشاملة" وهو ما يعول ان يترجم خلال خمسة اسابيع قبل اجتماع اللجنة المركزية لمنظمة التحرير ووضع خارطة الطريق للمرحلة المقبلة.

-الثانية: عقد سلسلة من اللقاءات مع المسؤولين اللبنانيين الرسميين والسياسيين والأمنيين، وفي مقدمهم رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ ورئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ ورئيس حكومة تصريف الاعمال ​حسان دياب​ ومدير العام للامن العام ​اللواء عباس ابراهيم​، وعدد قادة الأحزاب والقوى السياسية والمراجع اللبنانية وابرزهم الامين العام لـ"حزب الله" ​السيد حسن نصر الله​، المفتي ​عبد اللطيف دريان​ ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي ​وليد جنبلاط​ والأمين العام للجماعة الإسلامية عزام الأيوبي، بهدف تنسيق الموقف الفلسطيني–اللبناني لمواجهة الضغوطات السياسية وتداعيات صفقة القرن والتطبيع والمخاطر المحدق بالقضية الفلسطينية قبل اشهر قليلة على موعد الانتخابات الرئاسية الاميركيّة في الثالث من تشرين الثاني المقبل، حيث السباق محموما بين ترامب والمرشح الرئاسي جون بايدن، الذي بدأ باطلاق مواقف انتخابية بتأييد حلّ الدولتين ورفض الضمّ.

-الثالثة: تفقد عدد من المخيمات الفلسطينية والحرص على زيارة مقابر "الشهداء"، واطلاق المواقف السياسية في رسائل متعددة الاتجهات وخاصة ما يتعلق منها بالمقاومة المسلحة والصواريخ، وسط تمييز واضح بين الاستراتيجية وبين التكتيك، زيارة ​مخيم عين الحلوة​ والتأكيد على الاهتمام بشؤونها وشجونها ومعاناتها المزمنة، وخاصة منها حق العمل والتملك والتمسك بحق العودة ورفض التوطين او الوطن البديل، وهو ما أكد هنيّة نفسه في زيارة هي الاهم والارفع لمسؤول فلسطيني بحجمه، والذي اطلق عهدا جديدا لابنائه "لا للاعتراف باسرائيل"، وبعدم التنازل او التفريط او التراجع، بعد اللاءات الثلاثة "لا توطين ولا تهجير ولا للوطن البديل"، في ظل موجة هجرة غير مسبوقة من المخيم شملت عائلات برمتها وليس افرادا بعينهم كما كان يجري سابقا، مضافا الى اعلانه تقديم مساعدة بمليون دولار لتصرف على المشاريع التي يراها اللاجئون انفسهم مناسبة لهم وبحاجة لها.

-الرابعة: عقد إجتماعات داخلية مع كوادر ومسؤولي حركة "حماس" في لبنان والشتات لتقييم المرحلة السابقة ووضع خطّة للقادمة منها، سيما على اعتبار ان العاصمة اللبنانية تعتبر مكانا مناسبا للقاء كل الكادر الحمساوي، اضافة الى عقد لقاءات مع القوى الفلسطينية الاخرى ولقاءات مع نخبة فلسطينية وعلماء ورجال دين لوضعهم في التطورات والتوافق الفلسطيني الاخير.