يوم الإثنين الماضي، كلّف رئيس الجُمهوريّة العماد ​ميشال عون​ الدُكتور مُصطفى أديب تشكيل الحُكومة الجديدة، في ظلّ أجواء تفاؤليّة تتحدّث عن دعم خارجي وعن توافق داخلي، من شأنهما أنّ يُسرّعا ولادتها. وخلال الأسبوع الماضي إرتفعت بُورصة التأليف إلى درجة نشر تشكيلات وزاريّة كاملة في وسائل الإعلام، قبل أن تعود وتبرز أخبار عن عقبات وعراقيل ستؤخّر عمليّة التشكيل، وربّما قد تُفجّرها من أساسها! فما هي آخر المَعلومات في هذا الصدد؟.

أوّلاً: لا يبدو أنّ التشكيلات الوزاريّة التي جرى نشرها هي ثمرة توافق داخلي حقيقي، بل كانت عبارة عن بالونات إختبار، بهدف التسويق لشخصيّات مُعيّنة هنا، وحرق فرص توزير شخصيّات أخرى هناك، مع التشديد على أنّ هذه التشكيلات تضمّنت فعلاً بعض الأسماء التي تحظى بفرصة كبيرة للتوزير، وهي مُرشّحة جديًا لدُخول المُعترك السياسي.

ثانيًا: من الواضح أنّ رئيس ​الحكومة​ المُكلّف الدُكتور مُصطفى أديب كان ينوي الإسراع في عمليّة التأليف، وهو تفاجأ بسلسلة من المطالب السياسيّة التي لم يتمّ الإفصاح عنها خلال المُشاورات التي أجراها مع الكتل النيابيّة المَعنيّة مُنتصف الأسبوع الماضي، وتفاجأ أيضًا بحديث قوى سياسية أساسيّة عن تأييدها للإسراع في عمليّة التشكيل لكن بشرط عدم التسرّع.

ثالثًا: سقطت تشكيلة الحُكومة المُصغّرة التي كان يريدها رئيس الحُكومة المُكلّف، وعاد الحديث عن حُكومة من 24 وزيرًا، بحجّة تفرّغ كل وزير لوزارة واحدة، بينما إعتبر المُنتقدون أنّ الهدف هو إرضاء القوى السياسيّة والمذهبيّة، عبر توسيع التمثيل إلى أقصى قدر مُمكن. من جهة أخرى، جرى التوافق على أن يتمّ إختيار وزراء أصحاب إختصاص، وأن يتمّ توزيرهم في مجال إختصاصهم حصرًا.

رابعًا: بعد المواقف الكثيرة التي ترفّعت عن المُطالبة بأيّ حُصّة في الحُكومة، من قبل أغلبيّة الأطراف، عاد الحديث مُجدّدًا عن نيّة القوى السياسيّة التي تُشكّل الأغلبيّة النيابيّة، المُشاركة بشكل غير مُباشر في الحكومة، على غرار ما كان الوضع عليه في الحُكومة المُستقيلة برئاسة الدُكتور حسّان دياب. حتى أنّ بعض القوى السياسيّة بدأ الحديث عن حُكومة تكنو–سياسيّة، بحجّة ضرورة وُجود غطاء سياسي فاعل للحكومة، بعد أن أظهرت تجربة الحكومة الأخيرة فشلها.

خامسًا: بعد الحديث عن رغبة عارمة بإعتماد مبدأ المُداورة في توزيع الحقائب، يبدو أنّ الأمور عادت إلى نقطة الصفر في هذا الصدد، وأنّ هذه العقبة قد تؤخّر ولادة الحُكومة المُنتظرة ككلّ! وبدأ التحوّل من الإيجابيّة إلى السلبيّة، بإصرار حركة "أمل" على الإحتفاظ ب​وزارة المال​، بحجّة ضرورة منح الطائفة الشيعيّة الحقّ بالتوقيع على القرارات الكبرى إلى جانب توقيع رئيس الجُمهوريّة الماروني، ورئيس الحُكومة السنّي، إضافة إلى توقيع الوزير المعني بكل قرار. إلى ذلك، برز إصرار "​حزب الله​" على المُشاركة في الحُكومة، رافضًا الإنصياع لأيّ من الضُغوط الخارجيّة التي تُطالب بإبعاده، مع الإشارة إلى أنّ المَعلومات تحدّثت عن تمسّك "الحزب" أيضًا بوزارة الصحّة. وبالتالي، بعد أن كان "التيّار الوطني الحُرّ" قد أكّد مُوافقته على مبدأ المُداورة في الوزارات، عاد ليؤكّد تمسّكه بكل من وزارات الطاقة والخارجيّة والعدل، أو بنيل ما يُوازيها من وزارات من حيث الأهميّة، طالما أنّ باقي الأفرقاء إحتفظوا بنفس الوزارات التي كانت مَحسوبة عليهم.

سادسا: تُواجه مساعي التأليف مشاكل أخرى أيضًا، مُرتبطة بالصراع على السُلطات والصلاحيّات، حيث يُواجه رئيس الحكومة المُكلّف، إصرارًا من جانب ​رئيس الجمهورية​ على المُشاركة بعمليّة التأليف، وبالتسميات أيضًا، ويتعرّض الدُكتور أديب أيضًا لضُغوط مُقابلة تدعوه للتمسك بالسُلطات المَمنوحة لرئيس الحكومة في ​إتفاق الطائف​. كما يُواجه رئيس الحُكومة المُكلّف مطالب أميركيّة مُختلفة تمامًا عن المُبادرة الفرنسيّة، وكذلك توقّعات عربيّة وخليجيّة لديها أولويّات أخرى. وتتداخل مفاوضات تأليف الحُكومة مع مواضيع مُتشعّبة أخرى، منها مثلاً تغيير حاكم ​مصرف لبنان​ على سبيل المثال لا الحصر.

سابعًا: فرضت تطوّرات الساعات الأخيرة سلسلة من الأسئلة المُتداخلة، وأبرزها: هل يعرض رئيس الحُكومة المُكلّف تشكيلة وزاريّة أمام رئيس الجمهورية، أم يدخل بازار المُفاوضات السياسيّة التقليديّة؟ وهل سيرفض الرئيس وضعه تحت الأمر الواقع، أم سيرمي الكُرة في ملعب ​مجلس النواب​ الذي عليه منح الثقة من عدمه؟ وهل سيُبقي رؤساء الحُكومة السابقون، وتيّار المُستقبل"، كلاً من الغطاء السياسي والغطاء المَعنوي لرئيس الحكومة المُكلّف، أم سيسحبونهما؟ وهل سيُواصل الدُكتور أديب مساعيه، أم أنه سيعتذر عن مُتابعة مُهمّته في حال لاحظ عدم وُجود أيّ تغيير في تفكير الطبقة السياسيّة بعد كل الذي حصل؟.

في الخُلاصة، الأيّام القليلة المُقبلة ستحمل الإجابات الشافية ما إذا كانت الصرخة المُتقدّمة التي أطلقها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بُطرس الراعي في عظته يوم الأحد مَسموعة(1)، وما إذا كانت مساعي الرئيس الفرنسي إيمانيول ماكرون مُثمرة، وما إذا كانت تهديدات الجانب الأميركي ناجعة!.

(1) دعا البطريرك الماروني إلى تشكيل حُكومة طوارئ مُصغّرة، لا إحتكار فيها لحقائب، ولا مُحاصصة لمنافع، وتمنّى أن تُدخل الحكومة في بيانها الوزاري سياسة الحياد.