لم تكد اجواء التفاؤل بتكليف ​مصطفى اديب​ ​تشكيل الحكومة​ الجديدة واعلان ​الكتل النيابية​ العزم على تسهيل عملية التشكيل، حتى برز العائق الاول امام هذه المساعي بوصول مساعد وزير الخارجية الاميركية ​ديفيد شينكر​ الى لبنان، وعدم لقائه المسؤولين السياسيين، في خطوة رأى فيها الكثيرون انها "استفزازية" وتنمّ عن عدم قبول ما شهدته الساحة اللبنانية من تطورات سياسية في الاسابيع الماضية. ولكن القلق الذي انتاب البعض، هو في ما قاله شينكر من اعلان لعقوبات ستطال شخصيات لبنانية، فيما تصب التوقعات على انها ستكون من نصيب اشخاص تربطهم تحالفات مع ​حزب الله​.

وفي حين تعرب الكثير من المصادر عن اعتقادها بأن ​الولايات المتحدة​ ليست في وارد عرقلة المبادرة الفرنسية وافتعال مشكلة مع حليفتها الاساسية في اوروبا والعالم، خصوصاً وان الرئيس الفرنسي ​ايمانويل ماكرون​ شخصياً هو المعني بهذه المبادرة وهي بمثابة "ابنته"، فإن المصادر نفسها تترقب هوية هذه الاسماء، بعيداً عن التوقعات و"التنجيم"، مشيرة الى انها ستعكس بواقعية، مدى صدقية هذا التعاون وعدم وضع العراقيل الاميركية امام الحكومة. وتشرح المصادر انه في حال ضمت هذه الرزمة من الاسماء شخصيات من الصف الاول او من زعماء الاحزاب (وهو امر مستبعد ولكنه ليس مستحيلاً)، فهذا يعني ان المواجهة الاميركية-الفرنسية ستجد ساحة مهمة لها في لبنان. اما في حال كانت الاسماء من شخصيات الصف الثاني وما دون، فعندها ستكون الطريق معبّدة امام الفرنسيين لاستكمال مبادرتهم دون خضات وهزّات كبيرة وغير متوقعة من شانها التأثير على نسب نجاح الجهود المبذولة في هذا المجال.

ومع ان المصادر تبدي ميلاً الى ترجيح كفة التفاؤل على التشاؤم في هذا السياق، الا انها تبقى حذرة في الافراط في هذا التفاؤل، لان التجارب والتاريخ اثبتا ان تغيير المواقف الدولية امر قائم وحقيقي، وسرعة انعكاسه على الاوضاع اللبنانية تكون قياسية لا بل فورية، كونها قادرة على ايقاف كل المساعي وتعيد الامور الى المربع الاول. من هنا، تعلّق المصادر الاهمية على اعتبار المبادرة الفرنسية "رئاسية وشخصية"، مثنية على ادراك ايمانويل ماكرون للاوضاع في ​الشرق الاوسط​ وكيفية تطورها وتفاعلها مع التطورات الدولية المتسارعة، فكانت المهل بين الزيارة والاخرى الى لبنان قصيرة جداً، وتحديد موعد للعودة مباشرة بعد ​الانتخابات الاميركية​، لم يكن عن عبث بل عن دراسة ورهان على تذليل العقبات الاساسية قبل حصول هذه الانتخابات ومعرفة نتائجها، لانه في كل الاحوال، ستكون ردّة الفعل الاميركية موجّهة الى ​فرنسا​ قبل لبنان، اكانت ايجابية او سلبية.

ولم تغفل المصادر التركيز على الدور ​الفاتيكان​ي الفاعل في مساعدة لبنان، ليس فقط معنوياً ودبلوماسياً، بل ايضاً من خلال محاولة تشكيل مظلّة امان سيّاسية، حيث بدا واضحاً تفاعل الفاتيكان مع المبادرة الفرنسية، والعمل على انجاحها من خلال تنظيم قواعد جديدة، على الاقل في المرحلة الحالية، تكون بعيدة كل البعد عن قواعد الاشتباك التي ظهرت في الفترة الاخيرة وادت الى تشابك الاوضاع وتعقيدها واخذ البلد نحو الهاوية. وحتى المبادرة البطريركية التي كان الحديث حولها يدور عن دعم فاتيكاني لها، بدت وكأنها في هذه الفترة، قد وضعت في الثلاّجة السّياسية، ولم يبحث امين سر دولة الفاتيكان الذي زار لبنان وجال على مسؤولين لبنانيين ومن المجتمع المدني واهالي الشهداء، موضوع "الحياد الايجابي" مع البطريرك الماروني وهو امرٌ كان لافتاً في الشكل والاساس، خصوصاً وان الكاردينال بيدرو بارولين كان له محطة في بكركي وتحدث بعدها عن الوضع الانساني والاجتماعي، ولم يتطرّق من قريب او من بعيد للمبادرة السياسية، في دلالة واضحة على اعتبارها حالياً بعيدة عن الاولوية.

الاسبوع المقبل لناظره قريب، وسيعرف مدى تعاون الاميركيين مع المبادرة الفرنسية والاوروبية بشكل عام، او رغبتهم في "التقنيص" عليها، والفصل سيكون في نوعية الاسماء المعاقَبة.