كل المشاورات تمضي بصمت. تلك هي ​القاعدة​ التي تصلح عنواناً لمسار التأليف الحكومي. لا يتعلق الأمر بطريقة عمل الرئيس المكلّف بالتأليف ​مصطفى أديب​، ولا بأسلوب عمله الدبلوماسي، ولا بأدائه السياسي فقط، بل يُمكن القول إن طبيعة المرحلة ال​لبنان​ية الصعبة والإهتمام الفرنسي بمجريات الوضع في الساحة اللبنانية، ورفع الأميركيين سلاح العقوبات بحق شخصيات لبنانية، كلّها أسباب تحكم طبيعة المرحلة.

تشير المعطيات إلى وجود تباين سياسي، أولاً: حول عدد الوزراء، ف​رئيس الجمهورية​ ​ميشال عون​ يريد حكومة تستطيع ​تحقيق​ إنجازات على قاعدة كل وزير يتفرّغ لعمل وزارته. يستند رئيس الجمهورية الى ما حصل مع وزراء ​الحكومة​ التي استقالت وتصرّف الأعمال الآن. لم يستطع اي وزير يحمل حقيبتين من أداء عمله بصورة ناجحة. التقصير كان واضحاً جدّاً في كل ​وزارة​ من وزارتيه.

وهنا تشير مصادر مطّلعة إلى أنّ الفريق السياسي الداعم لأديب، وتحديداً رؤساء الحكومات السابقين، "هم ثبّتوا رئيس الحكومة المكلّف عند مطلب حكومة مصغرة من ١٤ وزيراً". فما هو السبب؟ هل إن الإصرار على حكومة مصغّرة من أجل رشاقتها؟ أم لإجهاض رأي رئيس الجمهورية؟ وكأن المطلوب من بعض رؤساء الحكومات السابقين الإطاحة بدور ​رئاسة الجمهورية​ في تأليف الحكومات.

ثانياً: يتمحور التباين الثاني حول الوزارات، تحت عنوان المداورة، لكن المعلومات تشير إلى "سعي سياسي لإستهداف ​التيار الوطني الحر​ من خلال سلخه عن حقائب أساسية ك​الطاقة​ و​المياه​". فهل الهدف هو مداورة في حقائب وزارية تسري على كل القوى؟ أم هي محاولة لمحاصرة رئيس التيار النائب ​جبران باسيل​؟

ثالثاً: يؤكد فريق رئيس الحكومة المكلّف الاّ قبول بتوزير أيّ شخصية سبق وتولت منصباً حكومياً أو سياسياً. بينما تُسجّل مساع سياسية لإعادة طرح اسماء وزراء ليسوا من حكومتي ​حسان دياب​ و ​سعد الحريري​ الأخيرتين.

تتحدث المعلومات عن بقاء تلك التباينات موجودة، رغم إنفتاح رئيس الجمهورية على كل سيناريوهات الحل، وهو ابلغ أديب بذلك في اللقاء الذي حصل في ​الساعات​ الماضية.

لكن ما صحة ما يُحكى عن ضغوط يمارسها الحريري عبر أديب لفرض شروط، مستغلاً الاهتمام الدولي، و خصوصا الفرنسي، بلبنان؟

يتحدث مقربون من ​بيت الوسط​ عن سيناريوهات محتملة:

أولاً: قبول القوى السياسية بتشكيلة أديب التي قد يحملها معه الى ​بعبدا​ بعد أيام، بما فيها من أسماء وتوزيع حقائب.

ثانياً: يرفض رئيس الجمهورية صيغة أديب، مما يدفع رئيس الحكومة المكلّف إلى الإعتكاف في ​بيروت​ او يغادر الى ​المانيا​. عندها يرجّح هؤلاء أن يدخل سلاح العقوبات، لتعود التنازلات، كما يروّج المقربون أنفسهم.

ثالثاً: تسقط ورقة أديب، فتعود الأمور الى نقطة الصفر بتكليف رئيس جديد ل​تأليف الحكومة​ وفق ظروف داخلية وخارجية أصعب.

واذا صحّت تلك الأجواء، فهي ستؤكد الكلام عن وجود خطوات مدروسة تُحاك لوضع اليد الدولية على لبنان، بعد فشل كل الحلول المطروحة. لكن ذلك يهدد الساحة اللبنانية بغرق يخشى منه الفرنسيون انفسهم. لا سيما، وأن الأتراك يوسّعون نفوذهم في لبنان: فهل وصلت رسالة ​اسماعيل هنية​ في ​المخيمات​؟ هل كانت مصادفة؟ أم قرأتها ​باريس​ على أنها تأتي في إطار خطوات الحلف الحمساوي- التركي، الذي ينتمي الى ذات المدرسة السياسية: ​الإخوان المسلمين​؟.