يفترض ان يرتفع منسوب الحديث الفعلي في التوليفة الحكومية مع اقتراب انتهاء المهلة التي حددها الرئيس الفرنسي ​ايمانويل ماكرون​ خلال زيارته الأخيرة إلى ​لبنان​، من دون ان تبرز معطيات جدية في إمكانية ان يحقق الرئيس المكلف ​مصطفى أديب​ هذا الهدف في الوقت المحدد.

ويبدو ان عملية المشاورات بشأن التأليف مختلفة هذه المرة عن المرات السابقة، فالرئيس المكلف دائماً كان يسعى لمحاورة القوى السياسية ويقف على خاطرها حول من تختار والحقائب التي تريدها، لكن هذه المرة الرئيس المكلف المتكئ على الصخرة الفرنسية يخالف هذه ​القاعدة​ التحاصصية، ويقوم بتنقية ما يراه مناسباً من أسماء لتولي الحقائب، ويتمسك بالتوازن بالرغبة التي ابداها خلال اللقاء الأوّل مع رئيس الجمهورية لجهة ان تكون ​الحكومة​ مصغرة ومؤلفة من 14 وزيراً على عكس الرغبة الرئاسية الساعية لأن تكون موسعة من 20 إلى 24 وزيراً.

والقريبون من الرئيس المكلف يصفونه بأنه أعند من الرئيس ​حسان دياب​ «بشوي»، وهو مصمم على تأليف حكومة على «كيفه»، أي ان تكون مكوناتها من اختصاصيين وكفوئين وغير منتمين سياسياً لأي جهة، ولذلك يحاول ان تكون معظم التركيبة الحكومية ممن هم يعملون في الخارج، ولا يتردد في القول انه في حال فشل في تحقيق هذا الهدف فإنه سيسارع إلى تقديم اعتذاره وترك حلبة التأليف لغيره.

العقدة الأساسية ليست الحقائب السيادية بل الشكل فالرئيس عون متمسك بالموسَّعة والرئيس المكلف يرغب بالمصغرة

من نافل القول ان مهمة الرئيس المكلف صعبة في تأليف حكومة الفرصة الأخيرة، لكن المؤشرات توحي بأن قصر الاليزيه لن يتركه في الميدان وحيداً وهو سيضع ثقله لمساعدته في تجاوز المطبات وتعبيد الطريق وصولاً إلى ​السراي الحكومي​، خصوصا وأن «سيد القصر» قد تعهد امام من التقاهم في زيارته الأخيرة في قصر الصنوبر المساعدة لتأليف حكومة قوية وفاعلة تكون جسر عبور لوصول المساعدات الدولية إلى لبنان لاخراجه من أزماته المتشعبة على غير صعيد.

ووفق ما هو متوافر من معلومات فإن الرئيس المكلف يواجه مشكلة أساسية في التأليف تتعلق بمسألة المداورة في الحقائب السيادية، وهو يرفض ان تتمسك أي طائفة أو أي جهة سياسية بأي حقيبة، وفي حال تمت معالجة هذه المسألة فإن العقد الحكومي سرعان ما يكتمل وتصبح ولادة الحكومة واردة في أية لحظة، اما في حال بقيت هذه العقدة قائمة فإن ظروف الولادة ستكون معقدة إن لم نقل مستحيلة سيما وأن الرئيس المكلف يتبع نمطاً جديداً في عملية التأليف وهو محاولة ان ينفرد في تسمية الوزراء الذين سيشكلون فريق عمل لمساعدته على إتمام المهمة التي أوكلت إليه، وهذا بالتأكيد لن يرضي بعض القوى السياسية التي لطالما كانت تفرض رغباتها في التأليف لا بل كانت تضع فيتوات على أسماء وحقائب وهو أمر ليس وارداً في قاموس الرئيس العتيد للحكومة الذي يتحصن بجرعة الدعم الفرنسية له.

وفي هذا السياق، فإن مصادر سياسية عليمة ترى ان أم المعارك حول التأليف تدور رحاها بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، فالاول يريدها حكومة موسعة اعتقاداً منه بأن أي وزير لن يكون في مقدوره إدارة شؤون وزارتين في هذه الظروف، والثاني يريدها مصغرة من 14 وزيراً، منطلقاً من سوابق حصلت حيث ان من بين الحكومات التي تألفت في لبنان كان هناك حكومة مؤلفة من 4 وزراء واستطاعت القيام بواجباتها على اكمل وجه، وبالتالي فإن تأليف حكومة من 14 وزيراً لن يُشكّل مشكلة في قيام الوزراء بواجباتهم، وإزاء هذا التباعد القائم بين الرجلين فإن هذه المصادر لا تستبعد تدخلاً فرنسياً مباشراً على خط التأليف، إن عن طريق ​الخارجية الفرنسية​ أو عن طريق السفير الفرنسي في لبنان لتذليل ما امكن من عقبات، سيما وان ​فرنسا​ ترى في قيام حكومة قوية في لبنان فرصة مؤاتية في ظل الغطاء الأميركي والأوروبي للمبادرة الفرنسية تجاه لبنان.

ولم تستبعد المصادر ان يفرض ​الوضع المالي​ والاقتصادي على القوى السياسية تقديم التنازلات لإتمام عملية التأليف، لأن ما من جهة سياسية تستطيع تحمل وزر اتهامها بالعرقلة، خصوصا وان مساعدة لبنان مرتبطة بالشروع بالاصلاحات، والجهة المخولة في إنجاز هذه الإصلاحات هي الحكومة، وهذا يعني ان الوضع المأزوم في لبنان سيضع المعنيين بأمر التأليف امام واقع لا يمكنهم تجاهله وهو الإقلاع عن فرض الشروط ووضع الفيتوات وتسهيل مهمة الرئيس المكلف، كون ان فشله في التأليف سيؤدي إلى انزلاق لبنان بسرعة قياسية في اتجاه المجهول.

وفي الوقت الذي يكشف فيه مصدر وزاري سابق مطلع على السياسة الخارجية الفرنسية عن وجود ضغط دولي كبير في سبيل ​تأليف الحكومة​، وان القوى السياسية محشورة وغير قادرة على ممارسة لعبة المناورة في ظل هذا الضغط غير المسبوق.

وإذا كان المصدر الوزاري يرى ان التأليف يحصل في فرنسا التي تجري اتصالات مع ​إيران​ و​المملكة العربية السعودية​ للمساعدة، وان الإعلان عن التشكيلة سيحصل في ​بيروت​، فإنه يعتبر ان المهم الآن ان لا تكون حكومة أديب على شاكلة حكومة دياب التي اضعفته فهي كانت مؤلفة من الأصدقاء والمعارف، واليوم الرئيس المكلف يتبع الخطوات ذاتها حيث يسعى لأن تكون حكومته من وزراء معروفين لديه من جماعات ​المصارف​، و​رجال الأعمال​ وما شاكل، وقسم من هؤلاء الذين يتصل بهم الرئيس المكلف قد ساهموا في الحملة الانتخابية للرئيس ماكرون.