سلكت العقوبات الاقتصادية الاميركية على المسؤولين ال​لبنان​يين طريقها الى التنفيذ، وقد اعلن عناسمين حتى ​الساعة​ من الذين سيعانون من تداعيات العقوبات، وهما: ​علي حسن خليل​ و​يوسف فنيانوس​. وفي لبنان، ونظراً الى الانقسامات السياسية الحادة بين الاطراف كافة، بات كل حزب وتيار يروّج لشمول العقوبات زعماء ورؤساء احزاب وحتى مسؤولين رسميين، الا ان الواقع يشير الى عكس ذلك، ويجزم الكثيرونان لا اسماء من الصف الاول ستزيّن لائحة العقوبات حالياً او مستقبلاً.

ويستند هؤلاءالى قراءات وتطورات كثيرة، اولها انضمام اسماء لمسؤولين رسميين، سيكون حكماً بمثابة تمهيد لقطع العلاقات مع لبنان، وهو امر ليس بوارد ​الادارة الاميركية​ الحالية او اي ادارة اخرى نظراً الى اهمية وضع لبنان الاستراتيجي والجغرافي والديموغرافي في المنطقة والتهديد الذي يمكن ان يشكله للمصالح الاميركية في ​الشرق الاوسط​، ولعل اختيار اسماء من الصف الثاني كفيل بشرح هذا الامر. فالجميع يعلم ان ​التعيينات​ في ​الحكومة اللبنانية​ وحتى ​الانتخابات النيابية​، تخضع لمنطق ​الطوائف​ وال​سياسة​، وهذا ما دفع الناس الى النزول الى الشارع في 17 تشرين الأوّل الفائت قبل ان تتشتت الاهداف وتفسد ​السياسة​ ما زرعه ​الوضع الاقتصادي​ والمالي الضاغط. وليس خفياً ان علي حسن خليل ينتمي الى حركة "امل" التي يرأسها رئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري​، كما ان يوسف فنيانوس ينتمي الى "​المردة​" برئاسة الوزير السابق ​سليمان فرنجية​، وبالتالي كان يمكن ان تكون العقوبات على هذين الشخصين اذا كانت التهمة دعم "​حزب الله​"، كما العديد من المسؤولين وزعماء الاحزاب والتيارات السياسية. ولكن، يبدو ان الاميركيين انتهجوا منهج ​المحكمة الدولية​ بحيث اختاروا الاكتفاء بأشخاص محدّدين، مع العلم ان ما يصح في حكم المحكمة الدولية، لا ينطبق على قرارات العقوبات الاميركية، لان الاخيرة لا تحتاج الى دلائل وقرائن لاعلان الاسماء، فالحكم السياسي هو الذي يسود في هذا المجال.

اضافة الى ذلك، ليس من السهل اختلاق مشكلة مجانيّة مع الرئيس الفرنسي ​ايمانويل ماكرون​، لانه اضافة الى تهديد العلاقات القائمة بين ​اميركا​ ولبنان، سيشكل وضع اسماء من الصف الاول على لائحة العقوبات، ضربة قاضية لجهود ماكرون اللبنانية، وستكون كل زياراته ولقاءاته مجرد اضاعة وقت، وهو ما لا يمكن ان تقبله ​فرنسا​ بما تمثله من قوّة كبرى، وبما تملكه من اتصالات دولية. لذلك، سترتكب الادارة الاميركية خطأ فادحاً اذا ما سارت بهذا الخط، لن يكون من السهل تداركه او الرجوع عنه.

في ظل طريق التسوية التي تسيرعليها المنطقة، وبعد "الانجاز" الاميركي بتطبيع العلاقات بين ​الامارات​ و​اسرائيل​، والذي سيفتح الباب امام اتفاقات سلام بين اسرائيل والعرب سيتم توقيعها تباعاً، لن تقدم اميركا على "حرق" هذه الطبخة، بل ستبني على ما حققته وستمعن في تطبيق سياسة "العزلة" على حزب الله قدر الامكان دون المسّ بالمسلّمات المتوافق عليها، ودون اللجوء الى العمل العسكري بطبيعة الحال الذي اثبت عدم جدواه، فيما قد يتم اعادة النظر بالعقوبات الاقتصادية بعد مبادرة ماكرون، وبعد التحقق من الاطمئنان الى مصالحها في المنطقة.

يبقى معرفة مدى تأثير هذه العقوبات على التسوية اللبنانية، فهي وان لم تؤدِّ الى نسفها، لكنها قد تؤدي الى تأخيرها بعض الشيء، والى بذل ماكرون جهداً اضافياً لتطويق ذيولها سريعاً وعدم خسارة الوقت الذي يصارعه في سبيل انهاء الاشكالية السياسية اللبنانية لوضع اسس الاتفاق على حل الوضع الاقصادي والمالي قبل موعد ​الانتخابات الاميركية​ الذي بات على الابواب، وينذر بموجة صقيع ستجمّد كل الملفات والمواضيع المطروحة، وسيضطر الجميع الى انتظار انحسار هذا الجليد للعودة الى العمل.