إنّ الشّعور بالقلق والخوف على الحاضر و​المستقبل​ يجتاح كلّ ​لبنان​يّ، في الزّمان الرّاهن، فنستحضر ماضينا الّذي يشوّش علينا رؤية الحاضر، بطريقة جليّة، ويعتّم علينا كلّ أمل في المستقبل. ومع انهيار كلّ الضّمانات الّتي كانت تعطي ​الإنسان​ نوعًا منالرّاحة والأمان، على كافّة الصّعد: الصّحيّ، والاقتصاديّ، والأمنيّ، إلّا أنّ هذا السّقوط العظيم يجتاح وطننا لبنان، كما يجتاح عددًا كبيرًا من المجتمعات على تنوّعها. أضف إلى ذلك أنّ هذا البلد محاصر من كلّ الاتّجاهات، وفُرضت عليه ​عقوبات​ سياسيّة واقتصاديّة، وأخرى صحيّة ناتجة من جائحة الكوفيد 19، و​الأزمة​ الماليّة الّتي لا ترحم غنيًّا ولا فقيرًا، ولا مؤسّسة، حتّى الجمعيّات الّتي لا تبغي الرّبح؛ كلٌّ أصبح مفلسًا ومتسوّلًا، لا بل معوزًا وعاجزًا.

ما من حدث يبعث فسحة أمل، إذ سرعان ما ينهار، ممّا يجعل القلق والخوف والإحباط حالة مرضيّة تؤثّر، سلبًا، على كلّ كائن حيّ، وليس على الإنسان وحسب.

فأيّ أمل في اللّاأمل؟ إنّ الإنسان، اليوم، يحتاج، أكثر من ذي قبل، إلى أن يعيد تحديد بوصلة حياته نحو الاتّجاه الصّحيح، عندما يسقط الهيكل العظيم، وتنتهي الآمال والأحلام، فلا بدّ أن يعود الرّجاء ليحيينا، ويعطينا القوّة. فالرّجاء فضيلة إلهيّة من الفضائل الإلهيّة الثّلاث: الإيمان، والرّجاء، والمحبّة. إذ أنّ الرّجاء موثوق بالمحبّة والإيمان بأنّ الظّلم مهما جار، وتكسّرت كل أبواب ​الحياة​، يبقى الرّجاء الباب الّذي لا يستطيع أحد أن يقفله، لأنّه الطّريق النّافذة منّا إلى قلب الله، ومنه إلينا إذا صحّ التّعبير.

إذًا، فإنّ الرّجاء هو الدّواء لعالمنا الّذي أصيب بالتّشاؤم، واليأس، والقلق المميت، والخوف المتضخّم. فبقليل من جرعات الرّجاء، والإيمان، والتّعقّل، والصّلاة ندرك بأنّنا لسنا نحن من أوجدنا أنفسنا، بل بقدرة إلهيّة، ونفس إلهيّ.

إنّ مفهوم الرّجاء محوريٌّ، في هذا الزّمان الأصعب على لبنان، كما على ​العالم​. فبالرّجاء ننفض الغبار عن القدرات، ويتحرّر الإنسان من سجن الضّمانات، ومحوريّة الأنا الزّائلة، وينهض المتشائم من كبوته، وتنقشع الغشاوة عن عيني الخائف، أمام الحقيقة، فالرّجاء ليس من شيم الضّعفاء، إنّما هو فضيلة الأقوياء.

وإن كان الإيمان والرّجاء سيسقطان عند ملاقاة وجه الله، لتبقى وحدها المحبّة، إلّا أنّنا ننادي أنفسنا لندخل في زخم الرّجاء، ليس بمعنى قبول الواقع الحياتيّ باستسلام، ومن دون نقد حسّيّ، بل بمعنى العمل من أجل تجديد العالم، والعبور إلى ولادة جديدة. وعليه، ستصبح الحياة على صعوباتها، والمستقبل على ضبابيّته، بالرّجاء، أفضل حتمًا.