فجأة وبسحر ساحر فرنسي إسمه ​إيمانويل ماكرون​، أصبح اللبنانيون أمام مشهد غير مألوف بالنسبة اليهم، يزايد فيه الأفرقاء السياسيون على بعضهم البعض بتسهيل مهمة الرئيس المكلف تشكيل الحكومة ​مصطفى أديب​. هم الأفرقاء أنفسهم الذين كانوا في السنوات الماضية يتباهون على بعضهم البعض بمن يعرقل أكثر مِن مَن عملية التأليف الحكومي وبمن يضع أكثر من الآخر العصي في الدواليب، باتوا يتكبّرون اليوم على الحقائب تحت عناوين "لا نريد شيئاً لنا أو لفريقنا" و"لا نريد المشاركة بل سنسّهل عملية التأليف الى أقصى حدود التسهيل" و"الأهم هي إنتاجية الحكومة لا شكلها ولا توزيع حقائبها".

إنسجاماً مع هذه العناوين، لم يعد رئيس ​التيار الوطني الحر​ النائب ​جبران باسيل​ يريد المشاركة في الحكومة وهو الذي لطالما جمّد سابقاً لأشهر وأشهر عملية التأليف بهدف إما توزيره شخصياً وإما حصول فريقه على حقيبة معينة كالطاقة.

وإنسجاماً مع هذه العناوين، لم يعد تيار المستقبل متمسكاً كما كان في السابق بأن تكون له ولحلفائه في الحكومة حصة الأسد، ولم يعد يرفض مسألة المداورة في الحقائب، كما كان يحصل سابقاً حفاظاً منه على وزارة الداخلية والبلديات.

أيضاًَ وأيضاً إنسجاماً مع هذه العناوين، يغرد رئيس حزب القوات اللبنانية ​سمير جعجع​ متوجهاً الى رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب بالقول "إذا لم يقبلوا تشكيلتك إعتذر"، هو جعجع نفسه الذي كان يقول سابقاًَ لن ندخل الحكومة بحصة لا توازي تمثيلنا أي بأربعة وزراء لا ثلاثة، ونشترط مارونيين من أصل أربعة.

اما رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط الذي كان يكرر مع كل تشكيل حكومي شعارات نريد الحصة التي تليق تمثيلياً بالطائفة الدرزية، ونحن من مؤسسي هدا البلد، فبات اليوم ينصح السياسيين بمعادلة إما نجاح المبادرة الفرنسية وتسهيل التشكيل الحكومي، وإما على لبنان أن يدفع ثمناً غالياً وهو قابل للزوال.

حتى الثنائي الشيعي المتمثل ب​حزب الله​ و​حركة أمل​، والذي قيل إنه لن يتخلى يوماً عن حقيبة المال للمحافظة على التوقيع الثالث على المراسيم، والذي حكي عن أنه وبعد ​العقوبات الأميركية​ على النائب ​علي حسن خليل​ والوزير السابق ​يوسف فنيانوس​ بات متمسكاً أكثر من أي وقت مضى بحقيبة المالية، أصبح قابلاً للتفاوض عليها، وتشير المعلومات إلى أن الثنائي في إنتظار أن يبادر أديب ويفاوضه على الطريقة التي يقبل بها الحزب والحركة بتسمية شخصية شيعية غير حزبية لتولي ​وزارة المال​، وكي يظهر الى الرأي العام أكثر من أي وقت مضى بأن الثنائي موافق على هذه الشخصية لا أن يظهر منكسراً امام الضغوط الأميركية ومتخلياً عن الحقيبة التي لطالما دافع عنها وتمسك بها.

إذاً الجميع يريدون تسهيل التأليف والجميع أصبح على يقين بأن عملية ​تأليف الحكومة​ وبالسرعة التي طلبها الفرنسيون ستحقق وأكثر من ذلك، الجميع بات على قناعة ولو مرغماً أو بالإكراه، بأن لبنان يمر بأصعب أزمة إقتصادية ومالية في تاريخه ومفتاح الخروج من هذه الأزمة لن يحصل عليه إلا من خلال حكومة تحظى بثقة ​المجتمع الدولي​، وإذا لم تتشكل هذه الحكومة لسبب أو لآخر سيدفع اللبنانيون الثمن غالياً وستتوقف كل المساعدات المنتظرة، وأول من سيوقف هذه المساعدات هم الفرنسيون قبل أي دولة أخرى.