انهى ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​ سلسلة مشاورات مع ​الكتل النيابية​ المختلفة، لا تعارض الوضع في ما خص ​تشكيل الحكومة​ العتيدة. هذا الامر دأب عون على القيام به في الفترة الاخيرة، ولكن الفارق ان الاصوات كانت تعلو ولا تتوقف عن الكلام عن خرقه لصلاحيات ​رئاسة الحكومة​، وعن قيامه بـ"اغتصاب" دور رئيس الحكومة المكلّف تشكيل الحكومة، وبالاخص من نادي "رؤساء الحكومات السابقين" ومن الطائفة السنّية التي كانت تشنّ الحملات وتقاطع ما يقوم به رئيس الجمهورية، انطلاقاً من ان خطوته غير دستورية وتطيح بالاعراف والاتفاقات المعقودة بين اللبنانيين. اليوم، تغيّر الوضع، وبات المعترضون السابقون واكثر الناس حماسة لضرب عون بأسهم عدم الميثاقية و​الدستور​ية والطائفية، اوّل من رحّب بالاستشارات التي جرت في ​قصر بعبدا​، واول المشاركين فيها إما شخصياً او عبر من ينتدبهم، فاختفت اصواتهم.

هذا لا يغيّر في المضمون شيئاً، فما كان يحصل سابقاً بقي على عادته، انما غيّره من حيث الشكل، لانه في السابق لم تكن المبادرة باسم رئيس دولة عظمى هي ​فرنسا​، ولم تكن مواكبتها من قبله بشكل شبه يومي، فكان التهجم عليها "مشروعاً"، اما اليوم فبات "من اجل المصلحة الوطنية ومصلحة البلاد". واللافت ان من شارك سابقاً من معارضي نهج عون (​القوات اللبنانية​ و​الحزب الاشتراكي​...) غيّروا هذه المعادلة وباتوا رافضين لتحرك رئيس الجمهورية. هذا الموقف ليس مردّه طبعاً لـ"غيرة" هؤلاء على صلاحيات رئيس الحكومة المكلّف والمحافظة عى مبدأ فصل السلطات، بل لعلمهم ان دورهم بات ثانوياً، وللتعبير عن الامتعاض من هذا الامر بحيث انهم يكسبون موقفاً شعبياً الى حد ما، يحفظون فيه ماء الوجه. غير انهم بالفعل يراهنون على واقع قد لا يحصل، لجهة اعتبارهم ان مصير حكومة ​مصطفى اديب​ سيكون في احسن الاحوال مشابهاً لمصير ​حكومة حسان دياب​، فيتعزز وضعهم ويثبتون ارجلهم في اي حكومة مقبلة كونهم "حاجة شعبية".

في المقابل، اختفت الاصوات التي كانت تنتقد كل من يتمسك بحقائب وزارية، ولم يخرج صوت يرفض قرار رئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري​ التمسك بحقيبة ​وزارة المالية​، وهي الخطوة التي اجمع الكل على انها ​العقبة​ الرئيسية في وجه تشكيل الحكومة، دون ان يعطي بري اي ذريعة مقبولة لذلك، ولو انه قيل بشكل غير رسمي ان المسألة باتت تتعلق بصورته بعد وضع ​اميركا​ النائب ​علي حسن خليل​ على لائحة العقوبات الاقتصادية.

بذلك، ومن حيث لا يدري، اعاد الرئيس الفرنسي ​ايمانويل ماكرون​ وضع معارضي عون وسياساته وقراراته ومبادراته، في قصر بعبدا، وبات من السهل عليهم التواصل مع رئيس الجمهورية لحلّ الاشكال، كونه هذه المرة وقع بينهم وبين بري، وهم بحاجة الى طرف ثالث لاصلاح ذات البين، وبما ان صاحب المبادرة متواجد خارج لبنان، فلم يكن من بد من اعادة فتح الخطوط مع ​رئاسة الجمهورية​.

هذه هي خلاصة ما حصل، ولا يمكن لاحد ان يصدّق ان حضور المعارضين، وغياب المعارضين-المشاركين سابقاً في المبادرات الرئاسيّة، مردّه فقط الى احترام الدستور والحفاظ على صلاحيات هذا او ذاك، بل الحاجة الى ايجاد مخرج لبناني للحل الاجنبي. وبالتالي، لم يتغيّر شيء في النوايا والقلوب بين الاطراف اللبنانية، وهذه المرحلة خصصت للتسوية، حيث يكون الجميع تحت سقفها، حتى من يعارضها ويبقى خارجها، فهو لن يحاول افشالها وسيكتفي باعلاء صوته قدر الامكان للتعبير عن الاستياء فقط.

لذلك، لا يعوّل ​اللبنانيون​ كثيراً على ما يصدر عن المسؤولين وزعماء الاحزاب والتيارات السياسية، بل على مدى التزام فرنسا بالوصول الى التسوية قبل ​الانتخابات​ الاميركيّة، واتصالاتها التي تجريها مع اكثر من طرف اقليمي ودولي لتأمين بقائها حيّة، فهذا هو اليوم المعيار الحقيقي للنجاح.