حتى ​الساعة​، لم تنجح كل المشاورات في معالجة الخلافات التي لا تزال تعترض طريق المبادرة الفرنسية، الأمر الذي ترجم بعدم الإتفاق على تشكيل ​الحكومة​ العتيدة برئاسة ​مصطفى أديب​، لا بل في ​الساعات​ الماضية كان الحديث عن توجه رئيس الحكومة المكلف للإعتذار عن هذه المهمة!.

في هذا الإطار، تضج الأوساط ال​لبنان​ية بالحديث عن الأسباب التي أوصلت المسار الفرنسي إلى هذا المكان، أبرزها الإشارة إلى أن عرقلة مصدرها تمسك ​الثنائي الشيعي​، أي "​حزب الله​" و"​حركة أمل​"، بحقيبة المالية، لكن عملياً المشلكة في مكان آخر، يكمن بالسعي إلى قلب موازين القوى إنطلاقاً من هذه المبادرة، التي تقوم في الأصل على أساس واضح هو منع الإنهيار الشامل.

في هذا السياق، تؤكد مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، أن ​الأزمة​ خارجية بالدرجة الأولى، على عكس ما يحاول البعض الإيحاء بأنها تكمن في موقف رؤساء الحكومات السابقين، لا سيما ​سعد الحريري​، وتشير إلى أن مشكلة الفرنسيين اليوم ليست مع الثنائي الشيعي بل مع الأميركيين، والأمر نفسه ينطبق على الثنائي الذي يدرك جيداً أن الضغوط مصدرها ​واشنطن​ لا ​باريس​.

وتلفت هذه المصادر إلى أن المواقف الأميركية المتشددة، في الساعات الماضية، أكبر دليل على ذلك، حيث تسعى ​الولايات المتحدة​ إلى دفع الفرنسيين إلى إعلان فشل مبادرتهم، تمهيداً نحو تحميل "حزب الله" المسؤولية عن ذلك، الأمر الذي يقود إلى زيادة الضغوط المحلية والدولية على الحزب، بالتزامن تريد واشنطن دفع باريس إلى تبني خيار تصنيف الحزب منظمة إرهابية، مع ما يعنيه ذلك من قطع قنوات التواصل معه أوروبياً.

وتوضح المصادر نفسها أنه على عكس ما كان يتم الإيحاء، في الفترة الماضية، عن دعم الجانب الأميركي المبادرة الفرنسية، فإن واشنطن كان تتعمد بعد كل زيارة للرئيس ​إيمانويل ماكرون​ إرسال أحد مسؤوليها إلى ​بيروت​، لتوضيح وجهة نظرها أمام حلفائها المحليين، والتأكيد عليها الرافضة لأي حوار مع "حزب الله" أو مشاركته بشكل مباشر في الحكومة العتيدة، الأمر الذي انعكس عدم ثباث في الموقف الفرنسي من شكلها.

أمام هذا الواقع، تؤكد المصادر السياسية المطلعة على دقة المرحلة الراهنة، حيث السيناريوهات مفتوحة على كافة الإحتمالات، من إمكانية معالجة الخلافات القائمة إلى سقوط المبادرة الفرنسية بشكل كامل، إلا أنها تشدد على أن الأمور متوقفة عند قدرة الفرنسيين على إقناع الأميركيين بوجهة نظرهم، وتشير إلى أن باريس في الأصل لديها مصالحها في لبنان التي يتطلب تأمينها نجاح المبادرة، لا سقوطها بعد أن وضع ماكرون كل ثقله السياسي فيها.

وبالتالي، ترى هذه المصادر أن الساعات المقبلة ستكون حاسمة على هذا الصعيد، وترجح أن يدخل الفرنسيون بشكل أكبر على خط الأزمة لتفادي سقوط المبادرة، إلا أنها تلفت إلى أن الأميركيين في المقابل سيسعون إلى إفشالها بأي طريقة، حيث بات من الواضح أن لديهم رغبة في ذلك، إنطلاقاً من قناعتهم بأن الظروف مناسبة لتحميل "حزب الله" المسؤولية عن المسار الذي ستسلكه الأمور، بعد أن تم تصوير الأزمة على أساس أنها تكمن بتمسك الثنائي الشيعي بحقيبة المالية فقط.

في المحصّلة، الكرة الآن في ملعب الفرنسيين قبل غيرهم من القوى المحلية أو الخارجية، لإنجاح المسار الذي قرروا قيادته على الساحة المحلية، إلا أن المصادر نفسها ترى أن ظروف إنقاذ المبادرة لا تزال أكبر من ظروف إسقاطها، على عكس ما توحي المعطيات الراهنة، نظراً إلى أن لبنان لن يكون وحده الخاسر من جراء فشلها، وتشير إلى أن ​فرنسا​ أيضاً ستكون على رأس قائمة الخاسرين لكن لن تكون وحدها.