عندما يقول ​الثنائي الشيعي​ بصريح العبارة ان «رئيس ​الحكومة​ السابق ​سعد الحريري​ هو المعرقل الاول ل​تأليف الحكومة​ والساعي لخراب البلد»، فهذا يعني ان سعد يغرد خارج سرب المبادرة الفرنسية وينفذ تعاليم ​وزير الخارجية​ الاميركي ​مايك بومبيو​ الذي يغرد ايضا خارج سرب ادارته التي اتفقت مع الفرنسيين على كافة ​تفاصيل​ مبادرتهم لحل الازمة ال​لبنان​ية وفق تاكيدات اوساط دبلوماسية غربية واوروبية...

صحيح ان انقلاب الحريري على الثنائي الشيعي والمسعى الفرنسي يدخل في اطار تقديم اوراق اعتماد جديدة للسعوديين والاميركيين لاعادة تعويمه لبنانيا ، ولكن الاهم حسب توصيف قيادي بارز في الثنائي « الانتقام من ​جبران باسيل​ ومن العهد» حتى لو دمر في هذه الغاية لبنان وعلاقته مع الثنائي وتحديدا مع رئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري​.

ربما غاب عن بال كل القوى في الداخل والخارج ان احدا لا يستطيع تحمل «لجوء الثنائي الشيعي الى الشارع» اذا استمرت لعبة فرض خيارات عليه وعلى اللبنانيين تتناقض مع الميثاق والعيش الوطني والاعراف المتبعة ونتائج ​الانتخابات النيابية​ والاهم المحاولة المفضوحة لتطبيق الاجندة الاميركية وتاليف حكومة «الامر الواقع»... ماذا لو اتخذ هذا القرار الذي يبدو « انه واحد من خيارات الثنائي الجدية وليس مجرد تهويل».

طبعا، لم يكشف الثنائي لأي جهة لبنانية عن آلية الرد التي سيعتمدها في حال استكمل الانقلاب عليه الذي يقوده للاسف سعد الحريري شخصيا، ولكن وصلت الرسالة للمعنيين في الداخل والتي ابلغوها بدورهم للفرنسيين والاميركيين «ان اي تصرف متهور سوف يقابل باقسى منه ونحن لن نسكت او نتهاون».

في الايام الاولى لتكليف اديب وقبل اعلان العقوبات الاميركية على المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب نبيه بري الوزير ​علي حسن خليل​ ووزير ​تيار المردة​ ​يوسف فنيانوس​، كانت الامور الحكومية تسير على ما يرام .. طبق الثنائي ما اتفق عليه مع ​ماكرون​ ، سهل امر تكليف ​مصطفى اديب​ ولم يضع شروطا على تشكيل حكومة «اختصاصيين» كما لم يطلب امتيازات حكومية ، فجأة وبدون سابق انذار انقلب الفريق الاخر وتحديدا الرئيس الحريري على المبادرة والثنائي معا، حاول استغلال العقوبات الاميركية لابتزاز الثنائي وتنفيذ مطلب بومبيو تحديدا بعدم تمثيل ​حزب الله​ في الحكومة، واهماً ان الثنائي قد يرضخ تحت سيف العقوبات وتهديده بتحميله نتائج فشل المبادرة الفرنسية.

لم تتطابق حسابات الحريري مع بيدر الثنائي الذي ابلغ كل المعنيين ، «لقد قمنا بما اتفقنا عليه مع الفرنسيين والكرة الان لم تعد في ملعبنا ، ونحن لن نسكت ولن نتهاون مع اية محاولة لاقصائنا عن المشهد السياسي وفرض اعراف جديدة في تاليف الحكومات».

الفرنسيون بدورهم لم يستوعبوا الاسباب الحقيقية التي دفعت الى عرقلة مبادرتهم اذ ان الاميركي كان على الخط ذاته معهم لجهة انجاح مبادرتهم او على الاقل عدم عرقلتها، وبالتالي لا تملك اي جهة معلومات مؤكدة حول الاسباب التي دفعت الحريري الى اللعب خارج حدود المبادرة الفرنسية باستثناء مسلمة واحدة وهي رغبة الرجل في تبييض صفحته عند السعوديين والاميركيين الذين وقفوا في طريق اعادة تكليفه مجددا ​تشكيل الحكومة​.

في لحظة صعبة جدا، كاد انقلاب الحريري ان ينجح ، ولكن ثمة من عمل على خط ​بعبدا​ لتصويب الامور عند ​رئيس الجمهورية​ ​ميشال عون​ الذي كان ذاهبا باتجاه البصم «اذا صح التعبير» على مغلف الحكومة المختوم قبل تنبيهه بأن خطوة من هذا النوع تعني خراب البلد، وان الفرنسيين ليسوا في وارد اضعاف موقع الرئاسة الاولى وتحمل مسؤولية ما قد يحدث في حال تم فرض حكومة «الامر الواقع» الحريرية، وهكذا تريث عون وفرضت ​فرنسا​ ايقاعها على الرئيس المكلف وحلقة رؤساء الحكومات السابقين لانقاذ مبادرتها...

يعلم الفرنسيون ان الثنائي وعون لم يفشلا المبادرة ، يملكون كل المعطيات والبراهين التي تقول بأن عدم توقيع عون على الحكومة الحريرية المعلبة هو بحد ذاته انقاذ للمبادرة وللبنان ، فهكذا حكومة لن تذهب حكما الى مجلس النواب لتحصل على الثقة لان ابواب المجلس لن تفتح للطعن بالثنائي وبحزب الله تحديدا.

على ان مجموعة اسئلة مصيرية وصلت الى مسامع الفرنسيين استباقا لرفض عون التوقيع على حكومة الامر الواقع او «حكومة الخراب» كما يسميها الثنائي:

اولا: من قال بأن اي اصلاح سوف يمر في مجلس للنواب رئيسه هو بري احد ركني الثنائي الشيعي في البلد؟

ثانيا: من اوهم الحريري ان حكومة اديب يمكن ان تصبح حكومة امر واقع تحت مسمى تصريف الاعمال ومن اوهمه ايضا بأن عون قد يغدر بحلفائه ويوقع على هكذا تشكيلة؟

ثالثا وهو الاهم: من اسر للحريري ان الفرنسيين موافقون على تشكيل حكومة بدون موافقة الثنائي الشيعي، وهل نجاح تشكيل الحكومة مقابل خراب البلد يعني نجاح المبادرة؟

رابعا: من اخبر الحريري ان ماكرون مستعد للمجازفة بسمعته وخسارة موقع بلاده مقابل الدخول في متاهات تصفية الحسابات الداخلية والدولية مع حزب الله تحديدا ، وهل غاب عن بال الحريري والمعرقلين ان خسارة فرنسا لمبادرتها يعني خسارتها موقعا متقدما في ​الشرق الاوسط​ لايقاف التمدد التركي والامتيازات النفطية التي تتمتع بها او بمعنى اوضح مصالحها الاقتصادية والسياسية في المنطقة؟