في ظل المشاورات القائمة ل​تأليف الحكومة​ العتيدة، كان من المستغرب أن يتولّى رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ شخصياً التصويب على مطالبة رئيس المجلس النيابي ​نبيه بري​ الحصول على حقيبة المالية، نظراً إلى أن الأخير سبق له أن سلّف الأول العديد من النقاط، منذ قراره بالإستقالة من رئاسة الحكومة على خلفيّة الإحتجاجات التي اندلعت في السابع عشر من شهر تشرين الأول الماضي.

في العديد من المحطّات التي تلت تلك الإستقالة، لم يجد الحريري إلا "​حزب الله​" و"​حركة أمل​" إلى جانبه، لا سيما رئيس المجلس النيابي الذي عرض عليه في أكثر من مناسبة "لبن العصفور" للموافقة على العودة إلى السراي الحكومي، في المقابل كان رئيس الحكومة السابق قد خسر تحالفه مع "​التيار الوطني الحر​" ولم يعد يحظى بدعم حزب "القوات اللبنانية"، ومؤخّراً لم يكن "​الحزب التقدمي الإشتراكي​" داعماً لعودته الى السراي.

إنطلاقاً من ذلك، تعتبر مصادر سياسية مطلعة، عبر "النشرة"، أنّ المنطق كان أن يبادل الحريري الإيجابية التي تعاطى بري بها معه، بإيجابية مثلها، لكنه فضّل مرة جديدة أن يخذله في لحظة مصيريّة، بعد أن كانت ​الولايات المتحدة​ الأميركيّة قد ذهبت إلى فرض عقوبات على معاونه السياسي الوزير السابق علي حسن خليل، الأمر الذي دفع رئيس المجلس النيابي، ومعه حزب الله"، إلى التشدّد أكثر في مطالبهما الحكومية.

من هذا المنطلق، ترى هذه المصادر أنّ الخطوة التي أقدم عليها رئيس الحكومة السابق قد تكون هي الأقسى على مستوى علاقته مع بري، نظراً إلى أنها ترتبط بالظرف الذي تمرّ به البلاد، على عكس ما كان عليه الوضع في المرّات السابقة، حيث كان من الممكن تفسيرها بالضغوط التي يتعرض لها الحريري بشكل أساسي، وبالتالي قد يكون لها تداعيات في المرحلة المقبلة، اذ لطالما تعامل بري مع النائب الحريري على أنه الممثل الأقوى للطائفة السنية، ولكن هذه المرة كان الأخير رأس حربة بالهجوم، وهو أمر قد يفقده دعم هذا الفريق، في المستقبل، بعد أن كان خلال مناسبات عديدة الداعم الوحيد له.

وتلفت المصادر نفسها إلى حرص بري، في نهاية الاسبوع المنصرم، على حصر المشكلة التي تواجه أزمة التأليف بالموضوع الداخلي، نافياً وجود أيّ أزمة على مستوى العلاقة مع الجانب الفرنسي، في مؤشر إلى أنه يريد التصويب على أداء رئيس الحكومة المكلّف ​مصطفى أديب​ من جهة، وعلى أداء من يقف خلفه من رؤساء الحكومات السابقين من جهة ثانية، خصوصاً الحريري الذي لم يكن إيجابياً في زيارته الأخيرة إلى عين التينة.

في المقابل، ترى مصادر سياسية أخرى أن ما قام به الحريري لا يتعلق بالعلاقة مع رئيس المجلس النيابي، بل في قناعة لديه بأنّ التشدّد، الذي يبديه في المرحلة الراهنة، من الممكن أن يكون مفيداً له على المستوى الشعبي، لناحية خروجه من دائرة تقديم التنازلات، لكنّ الأهم هو إرسال رسالة إلى ​المملكة العربية السعودية​ بالدرجة الثانية، بهدف إستعادة الرضى الذي كان قد فقده في المرحلة الماضية، فالحريري الراغب بالعودة الى السراي الحكومي يمهّد الطريق إلى ذلك من خلال هذه المواقف على ما يبدو.

من وجهة نظر هذه المصادر، رئيس الحكومة السابق رأى أن الفرصة سانحة اليوم لتحقيق هذا الهدف، على أساس عدم رغبة أيّ فريق في الخروج عن إطار المبادرة الفرنسيّة التي تصنّف على أساس أنها الفرصة الأخيرة لإنقاذ لبنان، وبالتالي اعتبر أن ذلك من الممكن أن يقود الثنائي الشيعي إلى تقديم تنازلات لم تكن واردة في السابق، ورغب في أن يكون هو من يقطف ثمارها، وهو ما كانت العديد من الجهات الإقليمية تراهن عليه أيضاً، بسبب قناعتها بأن الحزب لن يغامر في الظهور بموقع المعرقل.

في المحصّلة، المسار الذي تسير فيه مشاورات التأليف يوحي بأن الثنائي الشيعي لن يبادر إلى تقديم أيّ تنازل على هذا الصعيد، الأمر الذي يعني فشل الحريري في تحقيق الإنجاز الذي كان يريده من وراء ذلك، لكنه في المقابل بسبب هذا الرهان قد يكون خسر ثقة الفريق السياسي الوحيد الذي كان إلى جانبه في الفترة الماضية.