شدّد المفتي الجعفري الممتاز الشيخ ​أحمد قبلان​، على أنّه "لا يمكن القبول بوحشيّة سلطة، أو ظلم حاكم، أو استبداد طبقة سياسيّة أو ماليّة أو إعلاميّة تؤسّس للفساد أو تساهم فيه، إذ ليس مع الحق والباطل من خيار آخر، وهو ما نعاني منه في هذا البلد الّذي تمّ إنشاؤه على خريطة استعماريّة، وبخلفيّة مصالح سياسيّة دوليّة وإقليميّة، وعلى طريقة تبعيّة عمياء حوّلت هذا البلد من وطن لبنيه إلى وطن مبازرة، من خلال مجموعات سياسيّة وظّفت ​لبنان​ مرّة لصالح الانتداب، ومرّة لصالح الأحلاف، ومرّة للدبابة ال​إسرائيل​ية. نعم، طبقات سياسيّة تمرّست على التجارة بالبلد وبإنسان هذا البلد، وبموارده الخاصة والعامة، بعيدًا عن مفهوم وطن ومنطق دولة وشعب واحد ومصير واحد".

ولفت خلال إلقائه رسالة الجمعة لهذا الأسبوع مباشرةً عبر أثير الإذاعة اللبنانية، إلى أنّ "مئة عام على تأسيس لبنان ولا زلنا نعاني الفتن والطائفيّة و​الفقر​ والجوع، مئة سنة كشفت لبنان المفلس سياسيًّا واقتصاديًّا ووطنيًّا، على الرغم من كلّ المظاهر المصطنعة والخدّاعة. مئة سنة كشفت الزندقة السياسيّة والأخلاقيّة الّتي وَضعت لبنان ضمن خانة أسوأ الدول ومن أكثرها فسادًا على الإطلاق".

وأشار الشيخ قبلان، إلى أنّ "بكلّ بساطة نقول: هذا ما أراده الراعي الدولي والإقليمي بهذا البلد، أرادوه مزرعةً وليس وطنًا، أرادوه طائفيًّا وليس إنسانيًّا، أرادوه هويّة بلا انتماء، وشعارًا بلا مضمون، أرادوه وظيفة وليس رؤية، فكانت النتيجة كارثيّة على لبنان واللبنانيّين. وما نحن فيه يؤكّد أننا في قلب الانهيار". وأوضح أنّ "نعم، لقد سقطنا وأسقطنا البلد، فيما البعض لا يزال في البازار، يعلب دور المستثمر في الفقر، والمستغل في الجوع، والواعظ في الحياد، والمهوّل بالزوال، لا دور المضحي والمترفّع والداعي إلى كلمة سواء توقظ الضمائر وتجمع اللبنانيّين وتستنهضهم في مواجهة هذه النكبة الّتي يشهدها كلّ لبناني، ويعيشها كلّ مسلم وكلّ مسيحي في هذا البلد، الّذي نريده للجميع وغير تابع لهذه السفارة أو لتلك القنصليّة؛ رافضين أن نستمر ألعوبة في أيدي كلّ من يريد لنا الانقسام والعودة إلى الفتن والاحتراب الداخلي".

وشدّد على أنّ "هذا أمر مرفوض بكلّ المقاييس والمعايير، ولا يمكن أن نقبل به على الإطلاق". وركّز على "أنّنا قد دفعنا الكثير وقدّمنا الكثير، قاتلنا وضحّينا واستشهدنا من أجل لبنان الكرامة والحرية، لبنان الدولة والمؤسّسات وحقوق المواطن، واجهنا الاحتلال الصهيوني و​الإرهاب​ التكفيري دفاعًا عن لبنان، رفعًا للوصايات، تحرّرًا من التبعيات والانصياعات والإملاءات، منعًا للتقسيم و​التوطين​، وإسقاطًا لكلّ المؤامرات والصفقات الّتي لن تكون إلّا على حساب لبنان واللبنانيّين إذا لم نعِ ونغيّر ما بأنفسنا، ونتخلّص من كلّ هذه النزوات والشهوات الّتي لا محلّ لها في المفهوم الوطني الجامع، المفهوم الّذي آن لنا أن نجعله معيارًا وعنوانًا ومسلكًا ونهجًا في بناء لبنان الجديد، لبنان الإنسان والعدالة الضامنة لحقوق الجميع، لا خوف ولا غنى ولا تمييز ولا استقواء بهذا أو ذاك".

وجزم أنّ "الوطن بحاجة إلى جميع أبنائه، وعليهم أن يكونوا حاضرين وجاهزين في معركة إنقاذه وتخليصه من كلّ ما يُحاك له"، محذّرًا من "لعبة الفوضى وأخذ البلد إلى حرب أهلية". وأعلن "أنّنا مع أي جهد يصبّ في مصلحة البلد، من أي جهة أتى، ولكن لن نقبل بحصان طروادة، سواء كان بلباس فرنسي أو بسواه، فعهد الوصايات قد ولّى إلى غير رجعة، وزمن العطايا المجانيّة قد انتهى، وقصّة المداورة في ظلّ نظام طائفي بامتياز هي كذبة موصوفة، فإمّا أن تكون في كلّ المناصب والمواقع في إطار دولة مدنيّة، دولة مواطن، وإلّا فمن له حصّة فليأخذها، طالما بقي هذا النظام المهترئ قائمًا وإلّا هلّموا إلى تغييره".

كما ذكر أنّ "البلد مأزوم، فحذار حذار اللعب بالنار والمراهنات المدمّرة. وعلى المعنيّين أن يفهموا جيّدًا أنّ ما لم تستطع إسرائيل و​الولايات المتحدة الأميركية​ ومن معهما من أخذه بالقوّة، حتمًا لن تتمكّن أي قوّة أن تأخذه بال​سياسة​، ولو بألف قناع وقناع من التخويف والتهويل بالجوع و​الدواء​ والدولار. فكلّ هذا يهون، ونحن مستعدّون أن نتحمّل مقابل لبنان المحصّن في وجه كلّ المشاريع والمؤامرات الصهيونيّة الأميركيّة؛ فهذا ليس مستحيلًا على كلّ من وطّن نفسه وهيأها للتضحية من أجل بلده وكرامته وعزّة نفسه".

وأوضح قبلان أنّ "بالنسبة لمهرجانات التطبيع، ومراسم عقود ​السلام​ الهشّة والظالمة، وكلّ ما حاطها ويحيطها من بدع وخيانات لقضايا الحق، كما فعلت بعض الدول مؤخّرًا وكما يتحضّر لها البعض الآخر ممّن تهوّد لقاء ضمان عرشه الهزيل، عبر هيمنة ​واشنطن​ الّتي تعاني بشدّة من التراجع والسقوط الصريح. فالمنطقة الآن ضمن توازنات مختلفة جدًّا، توازنات تضع أميركا ثانيًا لا أوّلًا".

ورأى أنّ "مَن يُطبّع مع ​تل أبيب​ سيدفع حتمًا ثمن خيانته، والمستقبل سيكون فقط للقدس، فهذه المؤامرات أصبحت مكشوفة وساقطة أمام أقدام المقاومين الشرفاء من هذه الأمة، الّذين لا زالوا على طريق الحق، مستمرّين في المواجهة والتصدّي للظلم والظالمين، مهما بلغ عتوّهم وجبروتهم، وستبقى ​فلسطين​ قبلة هذه الأمة، رغم أنف الساكتين عن الحق. فالحق حقّ ولو كره الكارهون، وتآمر المتآمرون، ولا بدّ من النصر والانتصار بإذن الله على أهل الباطل، مهما كان الطريق صعبًا وموحشًا".