لم يحقق ​حزب الله​ النتيجة المرجوة في الحرب التي اعلنها على الفساد، وكانت خسارته مدوّية وعلى اكثر من صعيد. سبب هذا الكلام اليوم، ليس فقط قضيّة المشكلة التي تعترض مسألة ​تشكيل الحكومة​ المتبنّاة فرنسياً. هي احد الاسباب طبعاً، ولكنها ليست السبب الوحيد، لان الحزب ليس العقبة الوحيدة امامها، فهناك آخرون يعملون على عرقلتها بالسرّ والعلن. قبل الانتخابات النّيابية الاخيرة عام 2018، ظهر الامين العام للحزب ​السيد حسن نصر الله​ واعلن تصميم حزبه على بدء حرب لا هوادة فيها على الفساد والهدر ومشتقاتهما من السلبيات التي تنخر الدول عادة و​لبنان​ بشكل خاص. تنفّس الكثيرون الصعداء واستبشروا خيراً بأنّه سيكون بمثابة "السلاح السرّي" الّذي سيقلب المعادلة على الفساد، كما غيّر المعادلة التي كانت قائمة بين لبنان و​اسرائيل​ خلال المواجهات. ولكن، سرعان ما تبيّن انّ الفساد ليس باسرائيل، ومحاربته لا تقتضي فقط التمتّع بخبرة ميدانيّة وعسكريّة كبيرة، وعليه سقط نواب الحزب الذين دخلوا البرلمان على صهوة جوادهم الابيض ل​محاربة الفساد​، وانضمّوا الى زملائهم النواب إمّا في اعلاء الصوت والشكوى من قوّة الفساد والفاسدين، واما في التزام الصمت عن عمليّات فساد تحصل يومياً امام اعينهم دون قدرتهم على تغيير المعادلة او على الاقل، وضع حدّ لها.

اليوم، وعلى الصعيد الحكومي، وبغضّ النظر عن مصالح الجميع من كل الطوائف، اضافة الى مصالح فرنسا ورئيسها ​ايمانويل ماكرون​ طبعاً، غير انّ الحزب وجد نفسه امام معضلة حقيقيّة وفضّل المخاطرة بوضعه الخارجي على الدخول في مغامرة داخليّة. هكذا، وجد حزب الله نفسه امام ضرورة المماطلة مع الفرنسيين الذين اقرنوا القول بالفعل في ما خصّ مسألة الحزب في الخارج وعدم انضمامهم الى الاميركيين وعدد من الاوروبيين في اعتباره حزباً ارهابياً واللقاء به علناً، وعدم طرح مسألة سلاحه على بساط البحث في المدى المنظور، مقابل تسهيل تشكيل الحكومة لكسب الوقت قبل الانتخابات الاميركيّة، التي ستعيد دخول الاميركيين على خط المنطقة بقوة اكبر، ووفق تصوّر غير معروف النتائج مع ​ايران​ الذي سينعكس على المنطقة ولبنان حتماً، لجهة التسوية او التنامي في التصعيد.

في المنطق، تكمن مصلحة الحزب في قبول العرض الفرنسي، ولكن المنطق لم يسد على ما يبدو، واختار العودة الى رفع المتاريس السّياسية الداخليّة التي كان قد ازالها منذ فترة مع بعض الافرقاء وعمل على تخفيفها مع اطراف اخرى، في تكريس لاعلانه الهزيمة امام عدوّ متمرّس وقادر اسمه الفساد. لا يزال الكلام عن عدم قدرة اللاعبين اللبنانيين على الوقوف في وجه القرار الخارجي صالحاً، ولكن ما يحصل اليوم هو انّ الانقسام الخارجي بعد التدخل الفرنسي المباشر، اتاح للاّعبين المحليين على اختلافهم، هامشاً من التحرك كان كفيلا بتعقيد الامور ودفعها نحو المزيد من التأزيم والمماحكات السياسية. الرهان على الوقت لعبة قديمة، مارستها ​سوريا​ وايران باتقان، واثمرت بالنسبة اليهما نتائج مرضية، ولا شك أنّ حزب الله استعملها في احيان كثيرة واهمها عام 2005، ولكن من الغريب استعماله لها في هذا الظرف، لانّ المعطيات والاحوال تغيّرت كثيراً في العالم والمنطقة على حد سواء، ولبنان لم يعد قادراً على الرهان على عامل الوقت، فهل يملك الحزب فعلاً معلومات او مؤشّرات مغايرة لما يحصل على الساحة؟ وهل هو مرتاح فعلاً الى الدخول الفرنسي على الخط اللبناني للتخفيف من وطأة الضغط الاميركي، وما هو البديل بالنسبة اليه في حال تجمّدت المبادرة الفرنسيّة ووصلت الامور بين الاميركيين والايرانيين الى موقع التصعيد قبل التسوية التي يتوقّعها الكثيرون. هل يمكن للبنان ان ينتظر كل هذا الوقت، فيما يستنزف الحزب رصيده الداخلي بشكل تام؟.