التّطوُّرات السّلبيّة المُتلاحقة ضرباتُها المجتمعَ اللُّبنانيّ، قد تدفع ​المصارف​ دفعًا، إِلى "أَبغض الحَلال"، فتُضطرّ إِلى اتّخاذ قرار الدّمج في ما بينها، بعدما بات الوضع الرّاهن يحشر هذه المصارف "في بيت الييك"... فعددُ المصارف الفضفاض في ​لبنان​، ويُقابله سعي المُودعين إِلى سحب مُدّخراتهم العالقة لدى المصارف ولو "بالقطّارة"، يُرخي بثقله على الوضع المصرفيّ الحرِج... فيما سمحت هذه المصارف للسّاسة الفاسدين، بتحويل أَموالهم إلى الخارج، فكان وضعها شبيهًا بالمَثَل القائل "واضع السُّمّ آكلُه"!. إِنّه سمّ تهريب الأَوراق النّقديّة الخضراء!.

وما أَفضى إِلى هذه الحال المصرفيّة المُهترئَة، تسليف المصارف القطاع العامّ، من دون الحصول على الضّمانات، في حين أَنّ أَصغر مُوظّف، إِذا ما طلب قرضًا مصرفيًّا، فإِنّه يُحاطٌ بجدرانٍ لا تُحصى من الشّروط الضّامِنة للمصرف باسترداد كلّ حقوقه!... وما زاد في الطّين بلّةً، الفوائد الخياليّة الّتي مُنحت إِلى المودِعين، الّذين كانوا يلحسون المبرد، ويتلذّذون بارتشاف دمائهم، وهُم لا يدرون ماذا يفعلون...

وفي المُحصّلة، فإِنّ المصارف باتت في ورطةٍ، وتلزمُها لإِصلاح وضعها خطواتٌ جبّارةٌ، طَوال خمس سنواتٍ بحسب بعض التّقديرات، إضافةً إِلى اتّخاذ قرار الدّمج المصرفيّ، فتُحلّ إِذّاك مُشكلة العدد الفضفاض للمصارف، وتزداد إِمكاناتها، وتاليًا ستجد المصارف نفسها مُضطرّةً أَيضًا إِلى تقليص عدد العاملين فيها... بَيْد أَنّ خُطوة الدّمج إِذا ما تمّ الإِقدام عليها، فإِنّ بعض المُوظّفين سيُلحقون بالمصرف الدّامج، في حين أَنّ بعضهم الآخر، سيتمُّ التَّعويض عليهم ماديًّا، بما يتناسب مع الوضعين الاقتصاديّ والماليّ الرّاهنَين. وفي هذا الإِطار، يُحكى عن 16 أَلف مُوظَّفٍ من أَصل 26 أَلفًا، مُهدّدين بالتّوقُّف عن العمل.

وفي المُقابل فإِنّ المرحلة الاقتصاديّة والماليّة المُقبلة، تتطلّب قطاعًا مصرفيًّا مُتماسِكًا، يمتلكُ الأَموال الكافية ليضخّها في الأَسواق فتُنتَعش، بغضّ النّظر عن "قانون النّقد والتّسليف"، و"قانون الاندماج المصرفيّ"، و"قانون التّجارة"... بعدما فقدت المصارف كُلّ رساميلها البالغة حوالي 20 مليار دولار، وقد بات على المُساهمين فيها، إِعادة تكوين رأسمالٍ جديدٍ، ومَن لا يستطيع منهُم ذلك، فلا خيار له سوى السّير في طريق الدّمج.

وفي ​الخليج​ أَيضًا

بَيْد أَنّ الدّمج المصرفيّ سيتخطّى الحُدود اللُّبنانيّة إِلى الخليج، ومَن لم يعتمده لِعلّةٍ اعتمده لِغَيْرها... إِذ إِنّ استمرار اعتماد الاقتصادات في منطقة الخليج العربيّ، في شكلٍ كبيرٍ، على عائدات النّفط، إِضطُرّ القطاع المصرفيّ الخليجيّ، إِلى إِدارة التّحدّيات الاقتصاديّة المُزدوجة، النّاتجة عن انتشار جائحة "كوفيد–19، وانهيار أَسعار النّفط. ويتوقع الخبراء أَن تنخفض الأَرباح المصرفيّة في المنطقة في شكلٍ كبيرٍ هذا العام، ما يُثير تساؤُلاتٍ عن "استراتيجيّات الاستثمار"، و"نماذج التّشغيل" لبعض المُؤَسّسات.

هي الموجة الثّانية من الدّمج خليجيًّا، إِذ بعد انهيار أَسعار النّفط في العام 2014، لجأَ عددٌ مِن المصارف الخليجيّة إِلى "عمليّات الاندماج والشّراء" لتعزيز المُرونة. وأَبرز هذه العمليّات تمّ في الإِمارات العربيّة المُتّحدة، الّتي شهدت "أَكبر عمليّة اندماجٍ" في منطقة الشّرق الأَوسط و​شمال إفريقيا​ في العام الماضي (2019)، بين "بنك أَبوظبي التّجاريّ" –ثاني أَكبر مُقرض في الإِمارة من حيثُ الأُصول– و"بنك الاتّحاد الوطنيّ" في دُبي، و"مُؤَسّسة التّمويل الإِسلاميّ" في أَبوظبي "مصرف الهلال". وقد أَسفرت الصّفقة، الّتي تمّ إِضفاء الطّابع الرّسميّ عليها في أَيّار 2019، عن تحوُّل الكيان المُندمج إِلى ثالث أَكبر مصارف الإِمارات، مع أُصول تُقدّر بنحو 420 مليار درهم (114.4 مليار دولار).

وكذلك شهدت "المملكة العربيّة السّعوديّة" عمليّة الاندماج المصرفيّ الأولى لها منذ عقدَين اثنَين، بين "البنك السّعوديّ–البريطانيّ" و"البنك الأَوّل"، لإنشاء ثالث أَكبر مُؤَسّسة ماليّة في البلاد، في حين شهدت قطر أَوّل عمليّة اندماج على الإِطلاق، بين "بنك بروة" و"بنك قطر الدوليّ".

انكماشٌ اقتصاديّ

وبين لبنان والخليج شَبَهٌ مُؤَكَّدٌ: "الإنكماش الاقتصاديّ" المُستمرّ، الّذي سيُحفّز المزيد من نشاط الدّمج والاستحواذ في بعض الأَسواق. وفي هذا المجال، يتوقّع المُحلّلون المزيد من الاندماج في البحرَين أَيضًا، مع تنفيذ البلاد برنامجًا إِصلاحيًّا–ماليًّا!.

وخليجيًّا، استفادت المصارف الّتي تتطلّع إِلى الاندماج على المُستوى الوطنيّ من وجود القوانين والمُتطلّبات نفسها، وغالبًا المساهمين أَنفسهم، كشُركاء مُحتملين، في حين تم اعتبار الصّفقات الدّوليّة "محفوفة بالمخاطر ومُعقّدة". وكذلك لا يتوقّع مُعظم المُحلّلين الكثير من النّشاط عبر الحُدود قريبًا، ولو كان في إِمكان بعض المُؤَسّسات أَنْ ينظر في مثل هذه الاندماجات، كوسيلةٍ لتجميع الموارد وتحسين الكفاية.