يرى مقربون من رئيس الجمهورية ​ميشال عون​ أن المبادرة التي اطلقها من بعبدا في مؤتمره الصحافي جاءت على أساس مبدأ "من ساواك بنفسه ما ظلمك"، فالمبادرة كفيلة بجعل الطوائف الكبرى متساوية، وبالمقابل يعتبر محيطون بالفريق الشيعي أن المبادرة كفيلة بجعل ​التيار الوطني الحر​ في السياسة الى جانب ​فؤاد السنيورة​ ومن خلفه الاميركي بمطلب تهميش ​حزب الله​ و​حركة أمل​ في أي حكومة مقبلة.

لا مكان للتحالفات السابقة في هذه المرحلة، فكل طرف يقول "أللهم نفسي"، ويحاول إنقاذ ما تبقى له من وجود وفعالية سياسية، في زمن باتت الاحزاب في أضعف موقف لها منذ تأسيس لبنان الكبير. لا مكان للتحالفات السياسية في زمن بات فيه التدخل الدولي في لبنان مفضوحا، فالمشروع الفرنسي في لبنان لم يتلاقَ والمشروع الاميركي، بعكس ما توقع كثيرون، ولإنضاج الطبخة الحكومية يحتاج الفرنسي للتنازل بملفات المنطقة للإدارة الاميركية، أو كسرها.

تؤكد مصادر سياسية مطّلعة أن الأزمة الحكومية في لبنان باتت مركّبة، والخلاف بين حزب الله وحركة أمل من جهة، ونادي رؤساء الحكومات من جهة ثانية، يُحل عندما تلتقي الاهداف الفرنسية والاميركية، أو عندما تنتصر الإرادة الفرنسية على الإدارة الاميركية، والخلاف بين الطرفين السابقين والتيار الوطني الحر بحاجة الى حلول من نوع آخر، ولكنها لن تكون صعبة، فما يقوم به التيار يأتي ضمن لعبة التفاوض الحكومي الطبيعي.

لا ترى المصادر أن التوافق الفرنسي الأميركي على الملف اللبناني سيحصل، فالأمور تتجه بين الطرفين الى التأزيم، وبالتالي هذا يفسر ما يحاول الفرنسي القيام به عبر "حشر" الإدارة الاميركية، وإزاحتها من دربه في لبنان في هذه المرحلة التي تنشغل فيها اميركا في انتخاباتها الرئاسية، مشيرة الى أن حتى اللحظة لم تتمكن باريس من فعل ذلك، ولكنها مصمّمة على هذا الامر.

بدأ الخلاف الفرنسي-الاميركي على ملفات المنطقة يتوسع، وآخر فصوله رفض ​فرنسا​ للعقوبات الاميركية المستجدة على ​إيران​، والتي اتت ضمن ما يُعرف بـ"آلية الزناد"، فالفرنسيين يعتبرون أن لا حق للولايات المتحدة الأميركية بفرض هذه العقوبات، التي جاءت بأحد بنود الإتفاق النووي الذي وُقّع بين إيران والدول 5+1 عام 2015، على اعتبار أن ترامب خرج من الإتفاق وبنوده لم تعد صالحة للاستعمال من قبل الأميركي.

كذلك يمتد الخلاف الفرنسي الاميركي الى العلاقة بين اليونان وتركيا، والدور الفرنسي في ليبيا، ولكن بما لا شك فيه أن الفرنسي قرر المضي قدما بمشروعه الخاص لمنطقة البحر الابيض المتوسط، وهذا المشروع لا مكان للاميركي كلاعب أساسي فيه. إن هذا الخلاف يصل الى لبنان، الامر الذي تجلّى بالهجوم على ماكرون من قبل وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في صحيفة فرنسية، والردّ الفرنسي عليه بلقاء حزب الله في لبنان مجددا، الى جانب كل التصعيد الذي شهده البلد في الساعات الماضية.

في لبنان، تنعكس كل هذه المعطيات على الواقع الحكومي، وتشير المصادر الى أن تمديد المهل يعني أننا سنصل في نهاية المطاف الى ​تشكيل الحكومة​، ولكن بعد إفراغ ما بجعبة الأطراف المحليين والخارجيين من محاولات تشكيل وتعطيل، مشدّدة على أن الامور تبدو مقفلة ولكنها ليست كذلك، فالطروحات لا تزال موجودة، والمحاولات لا تزال قائمة.

مؤخرا، وكما علمت "النشرة"، حُكي عن تولّي لبناني شيعي يحمل الجنسية الفرنسيّة حقيبة الماليّة، وهذا المرشح الجنوبي، شاب لا يتجاوز عمره الـ32 عاما، يعمل في فرنسا بمجال المال والاقتصاد، وينتسب لحركة ماكرون السياسية، ويعمل ضمن فريقه الاقتصادي، وهو سبق وزار لبنان بعداد وفود اقتصاديّة فرنسيّة. وفي هذا السياق تؤكّد مصادر عبر "النشرة" أنّ الاحتمالات لا تزال مفتوحة على مصراعيها، وقبل الدخول في مرحلة الاسماء هناك امور يجب التوافق عليها قبل، والأسماء تكون الخطوة الأخيرة في أيّ حل.

قد تكون عملية التأخير في تشكيل الحكومة فرصة للجميع لتخفيض الأسقف العالية، ولكن بالنتيجة فإن الحكومة مرهونة بنتيجة المعارك المستترة بين الفرنسيين والأميركيين. فلمن تكون الغلبة؟.