شهدت القاهرة، الثلاثاء، توقيع الدول المؤسسة لمنتدى غاز شرق المتوسط، في شهر كانون الثاني من العام الماضي، على الميثاق الخاص بالمنتدى، الذي بمقتضاه يصبح منظمة دولية حكوميّة في منطقة المتوسط تسهم في تطوير التعاون في مجال ​الغاز الطبيعي​ وتحقق استغلالاً حقيقيًّا لموارده.

في مراسم التوقيع، شارك وزراء النفط والطاقة بالدول الأعضاء، أي مصر وقبرص و​اليونان​ و​إسرائيل​ و​إيطاليا​ و​الأردن​، بالإضافة إلى مستشارة وزير الطاقة الأميركي فيكتوريا كوتس ومدير إدارة الطاقة بالنيابة عن مفوض الطاقة ب​الاتحاد الأوروبي​ كريستينا لوبيلو وذلك بصفة مراقب.

في هذا السياق، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى أن المنظمة الجديدة هي أول منظمة دوليّة تجمع بين منتجي الغاز والمستهلكين ودول المرور في العالم في كيان واحد، على خلاف الواقع بالنسبة إلى الكثير من المنظمات الدوليّة المشابهة التي تقتصر عضويتها على الدول المصدّرة أو المستوردة.

من جانبها، تلفت الخبيرة في شؤون النفط والغاز لوري هيتايان، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن ما حصل أول من أمس يعني تحويل المنتدى إلى مؤسسة شبيهة بمنظمة "أوبك"، التي تحظى بشرعية معترف بها من قبل الجميع، وبالتالي المنتدى لم يعد مساحة لقاء فقط بين الأعضاء المؤسسين له، بل بات منظمة إقليمية حكومية تعنى بتنظيم وإدارة شؤون قطاع الغاز في المنطقة.

من جهتها، تلفت المصادر إلى أنه في ظل الصراع القائم في ​البحر المتوسط​، بين ​تركيا​ ومصر وقبرص واليونان وإسرائيل، فإن الإنظار تتجه إلى أنقرة، التي قد تكون المتضرّر الأول من هذا المنتدى، نظراً إلى أنّه لم يقفل أبوابه أمام إنضمام دول أخرى، لكنه اشترط إحترام أهدافها المتعلقة بالإعتراف بالقوانين الدولية، خصوصاً القانون الدولي للبحار، الأمر الذي لا يناسب تركيّا، التي لديها نظرة أخرى في ما يتعلق بترسيم الحدود.

بالنسبة إلى ​لبنان​، لم تقفل الدول المشاركة في المنتدى الباب أمام إنضمامه، حيث تم التأكيد لدى تأسيسه أنّ الدعوة لم توجه إليه لأنه لم يصبح بعد دولة منتجة للغاز، لكن منذ ذلك الوقت ظهرت مواقف تؤكّد عدم رغبة بيروت في الإنضمام بسبب وجود إسرائيل.

في هذا الإطار، توضح هيتايان أن من أهداف هذه المنظمة معالجة مسألة المنافسة بين أعضائها وتنظيم العمل المشترك عبر فتح الأسواق والبنى التحتية، لا سيما أنها غير متوفّرة لقطاع الغاز في المنطقة، وبالتالي عند إستشكاف الغاز في لبنان لا يمكن التفكير فقط بالسوق الداخلي، بينما لن تقبل أي جهة خارجية بوضع إستثمار إضافي طالما أن هناك بنى تحتية جاهزة، وبالتالي ستكون الدعوة إلى لربط لبنان بالمنظمة، الأمر الذي قد يصبح إلزامياً للخروج من المنطقة.

ما تقدم، يقود إلى السؤال عن الخيارات البديلة أمام الدولة اللبنانية، لتجاوز هذه المعضلة الكبيرة التي ظهرت منذ أكثر من عام؟ .

طوال الفترة الماضية، كان الحديث عن إمكانية وجود منتدى آخر برئاسة تركيا، لكن المصادر المتابعة تطرح الكثير من علامات الإستفهام حول إمكانية إنضمام لبنان إلى مثل هكذا منتدى في ظل الإنقسام الداخلي حول الدور التركي، لا سيما بعد الدخول الفرنسي المستجدّ على الواقع المحلي، حيث تبرز باريس بوصفها تتولى قيادة المواجهة الأوروبيّة مع أنقرة في البحر المتوسط.

بدورها، تلفت هيتايان إلى أن خيار المنتدى البديل غير واضح حتى الآن، في حين أن العلاقات التركيّة والروسية غامضة وكذلك الأمر بالنسبة إلى مستقبل سوريا، بينما لبنان حتى الآن غير جاهز لأي شي على مستوى القطاع، وبالتالي الوضع يصبح أصعب يوماً بعد آخر، مع العلم أن الطلب على الغاز سيرتفع خلال السنوات المقبلة (ما بين 15 و20)، لكن بعد ذلك سيتوقف الإرتفاع في الطلب.

وتشير هيتايان إلى أن ​الولايات المتحدة​ والإتحاد الأوروبي يدعمان المنتدى المذكور، وترى إمكانية طرح فكرة إنضمام لبنان له في حال نجاح المبادرة الفرنسية المتعلقة بالساحة المحليّة، بعد إيجاد فتوى معيّنة تتعلق بالوجود الإسرائيلي، وتضيف: "لبنان مشارك في منتديات ومحافل أخرى يتواجد فيها الجانب الإسرائيلي، لكن الواقع هنا مختلف حيث الحديث عن إستثمارات وبنى تحتية مشتركة".

من وجهة نظر المصادر المتابعة فإنّ الصورة أكثر تعقيداً مما هو ظاهر في الوقت الراهن، حيث الصراع يمتد ليشمل دولاً أخرى، منها ​روسيا​ التي تعتبر المصدر الأول للغاز نحو أوروبا، وتلفت إلى أن موسكو، الحاضرة في سوريا، لديها مصالح كبيرة مع أنقرة في هذا المجال، بالرغم من خلافاتهما على الساحتين السورية والليبية.

وفي حين تشير هذه المصادر إلى أن واشنطن ترعى هذا المنتدى بسياق المواجهة التي تخوضها مع موسكو، حيث تسعى إلى تقديم بدائل عن الغاز الروسي للدول الأوروبية، تلفت إلى تحول كبير من الممكن أن يحصل على مستوى الإستثمارات في المنتدى، بعد الإتفاق الإماراتي الإسرائيلي في ظل التحالف بين القاهرة وأبو ظبي وباريس في ليبيا.

في المحصّلة، توقيع ميثاق تحويل منتدى غاز شرق المتوسط إلى منظمة إقليمية لا يمكن أن يكون حدثاً عابراً، لا سيما بالنسبة إلى لبنان، حيث الإنقسام السياسي يمنع أخذ خيارات واضحة، في ظل خارطة التحالفات المستجدّة على مستوى المنطقة، الأمر الذي يفتح الباب أمام مروحة واسعة من الخيارات الصعبة والخطيرة في الوقت نفسه.