طوال الفترة الماضية، كان الحديث في ​لبنان​ عن أن الموقف المتشدد الذي يبديه رؤساء الحكومات السابقين في الملف الحكومي يعود إلى رغبة سعودية في إستعادة زمام المبادرة، لا تنفصل عن أخرى أميركية في إستمرار الضغوط على "​حزب الله​"، الأمر الذي حاول رئيس الحكومة السابق ​سعد الحريري​ الخروج منه، عبر طرح مبادرة "تجرع السمّ" التي أطلقها.

ليس تفصيلاً أن يسارع رؤساء الحكومات السابقين الآخرين (نجيب ميقاتي، تمام سلام، فؤاد السنيورة) إلى التنصل من مبادرة الحريري، على قاعدة أنها شخصيّة صادرة عنه ولا تعنيهم بأي شكل من الأشكال، في حين كان الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز يتحضر لإطلاق سلسلة من المواقف التصعيديّة تجاه "حزب الله"، أبرزها أن "الشعب اللبناني الشقيق لن ينعم بالاستقرار والرخاء إلا بتجريد حزب الله من السلاح".

في هذا السياق، ترى مصادر مطّلعة، عبر "النشرة"، أن لهذه الموقف تداعيات على الساحة اللبنانية، خصوصاً داخل الطائفة السنّية التي تعيش شرذمة غير مسبوقة، حيث تلفت إلى أن التناقض في المواقف من المبادرة الفرنسية، في البدايات، كان سببه عدم وضوح موقف الحاضنة الإقليمية منها، الأمر الذي سمح بصدور مواقف متعارضة داخل البيت الواحد.

بالتزامن، توضح المصادر نفسها أن قراءة الملف الأميركية كانت توحي بأن واشنطن داعمة لتحرك الرئيس الفرنسي ​إيمانويل ماكرون​، الأمر الذي يتناقض مع الواقع الراهن حيث تقود ​الولايات المتحدة​ حملة سياسية وإعلاميّة واسعة داخل الإتّحاد الأوروبي، معارضة لتوجه باريس في ما يتعلق بالنظرة إلى العلاقة مع ​إيران​ و"حزب الله".

بالنسبة إلى هذه المصادر، ما تقدّم يعود إلى المعادلة الأساسية، التي لا ينبغي تجاهلها لدى البحث في التطورات الراهنة على الساحة اللبنانية، التي تؤكد أن مشكلة الجانب الإيراني أو "حزب الله" ليست مع باريس، في حين أن الأخيرة لا تملك القدرة على فرض حلول على الأفرقاء المتخاصمين، بل أقصى ما يمكن أن تقوم به هو رعاية تسوية في ما بينهم عندما تتوفر الارادة لذلك.

بالعودة إلى الموقف السعودي المستجد، تعتبر المصادر المطّلعة أنه يعني الأفق مسدود أمام أي تسوية شاملة بالدرجة الأولى، فهو يعبّر عن القراءة الخليجيّة المستجدّة لواقع المنطقة، التي تعتبر أن طهران هي العدوّ، بينما التحالف مع تلّ أبيب بات حاجة إستراتيجية في ظل توجه واشنطن العام نحو الإنسحاب من المنطقة، وبالتالي التحالف مع ​إسرائيل​ سيكون هو البديل عن الحماية الأميركية.

من وجهة نظر هذه المصادر، هذا لا يلغي إمكانيّة أن يقود الحراك الفرنسي الحالي إلى تشكيل حكومة لبنانية جديدة في وقت قريب، خصوصاً بعد موقف الحريري المستجدّ، إلا أنها تشدد على أنه في المقابل لن يكون من الممكن معالجة أساس الأزمة المحلية في وقت قريب، لا سيما على المستويين المالي والإقتصادي، نظراً إلى أن القوى القادرة على دفع الأموال، لا سيما الخليجية منها، لن تقوم بذلك من دون الحصول على أي ثمن في المقابل.

في المحصّلة، ترى المصادر نفسها أن المعضلة اليوم أبعد من خلاف حول حقيبة وزارية من هنا أو هناك، بل تكمن بدور لبنان في المستقبل في ظل التحولات القائمة على مستوى المنطقة، من إتفاقيات التطبيع مع إسرائيل وصولاً إلى الصراع على الغاز في البحر المتوسط، الأمر الذي يبقي البلاد معلّقة أمام مجموعة من السيناريوهات المتناقضة.