كنت يافعا، وفي بداية عهدي ب​الصحافة​، عندما عرفت طارق حبشي الطبيب الشاب الوافد إلى النيابة في العام ١٩٧٢، حاصدا النصر المؤزر، وثقة أبناء منطقة بعلبك‐الهرمل التي أحبها وأخلص لها.

ودود، طيب القلب، رصين، على أنفة ديرية تجلت في غير مناسبة. لا "يتزكزك" هذا الرجل، عندما حاول أحد كبار الساسة ممازحته بما يتجاوز الحد، لأنه يعرف كيف يفصل بين الجد واللعب. وعندما حاول أحد الناشطين في العام ١٩٨٩ التصويب على النواب، وهم في طريقهم إلى الطائف .كان ذلك في قبرص. جاء الرد عنيفا، وعنيفا جدا من الدكتور طارق. لا يحابي إلا ضميره، ولا يرتاح إلا لاملاءات قناعاته. هكذا عاش. اسرج خيل الرحيل، منطلقا إلى حيث لا وجع ولا ألم.

كان صلبا، سنديانة عتيقة. صريحا حتى تخوم الوجع. يقول كلمته ويمشي، يكره "المتفلسفين"، ولا ينجذب إلى "المنظرين"، يأنس إلى البسطاء، ينسج معهم علائق المودة بحميمية حية.

يدافع عن اصدقائه، ويمضي بعيدا في مكاسرة من يطاوله بظلم. هذا كان شأنه مع جورج سعاده رئيس "حزب الكتائب" عندما سلطت عليه السنة حداد، وكان عرضة لجور ذوي القربى الذين علمهم نظم القوافي، ورمي السهام، فاستداروا عليه بخنجر "بروتوس". وفيا هذا الرجل، حتى مل الوفاء منه، يطلق كلمة الحق ولا يخشى فيه لومة لائم.

كان صديق الدراسة ​اميل رحمه​ يحدثني عنه بحب، وشغف، ويعدد ما انطوى عليه من صفات. كنت اعتقد انه يبالغ، ويشطح به الهوى إلى هذا المدار لصلة نسب تشده إليه. لكني تيقنت أن ما قاله هو غيض من فيض طارق، الذي عرفته في ما بعد، وخبرت معدنه.

كبر على تواضع .لا تعنيه الألقاب. ولا يأبه بالمظاهر. يرفض المواكب والمواكبات.

بسيط في علاقته مع الناس، كما في أسلوب حياته.

يغيب طارق حبشي طاويا الصفحة الأكثر إشراقا من زمن جميل انقضى، لم يبق منه سوى الذكريات نستعيدها مذللين الدمع على ما آل إليه وطن الارز، التي تطوقه عواصف النار، وتقبض على عنقه ابالسة الشر، وتنعب فيه غربان ​الفساد​.

يغيب طارق حبشي، لكنه باق معنا، نموذجا للرجل الرجل الذي نبحث عنه، كما ورد في سفر الأمثال.

نقيب محرري الصحافة اللبنانية