تبيّن ان الرئيس الفرنسي ​ايمانويل ماكرون​ كان يملك بالفعل ما يمكن تسميته بـ"الخطة ب" بعد فشل خطوته الاولى بتشكيل حكومة خارج الاطار المتعارف عليه، والتي اعلنها بشكل مباشر رئيس ​الحكومة​ المكلف ​مصطفى اديب​ باعتذاره. لم تنقص ماكرون الجرأة لتسمية الامور بأسمائها وللاشارة الى ان ​حزب الله​ ورئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري​ (​حركة امل​) هما سبب فشل تأليف حكومة انقاذ تتكفل بوضع البلاد على سكة التعافي، وهو امر يحصل للمرة الاولى، حتى انه ذهب الى تحميل حزب الله جزءاً اكبر من هذه المسؤولية. ردّة فعل الرئيس الفرنسي على هذه الواقعة، كانت بتمسّكه ب​سياسة​ الجزرة انّما هذه المرة لوّح بشكل اكثر جدي باعتماد سياسة العصا. بمعنى آخر، وبشكل اكثر عملي، اعلن ان تحميله الفشل او وصفه بالفاشل هو امر لن يقبل به، وهو سيدعّم مبادرته بتضامن دولي اكبر، بما يضمن من جهة عدم "الحرتقة" الخارجيّة عليها، والسماح لزعماء الاحزاب والتّيارات السّياسية اللعب ضمن السقف الداخلي بعيداً عن ضغوط وارضاء الخارج، خصوصاً وانه اعترف بأنّ العقوبات الاميركيّة الاخيرة شكّلت سبباً في خلق اجواء رافضة ل​تشكيل الحكومة​ (عنى بها ​الثنائي الشيعي​).

وتوجه ماكرون الى الحزب بشكل مباشر ليقول له ان لديه اليوم فرصة ليحظى ببعض الدعم الخارجي الذي ستوفره ​فرنسا​، والا فإن الجميع سيتفق على عدم تعويمه، ولو انه (اي الرئيس الفرنسي) لا يميل بعد الى اعتماد سياسة العصا، وهو قال انه وقف في وجه بعض القوى الاقليمية التي طالبت بها، وذلك لايمانه بأنها ستنهي كل الخيارات الدبلوماسية والسياسية وقد تعيد الوضع في ​لبنان​ الى سكّة الحروب التي لا يعرف احد تحديد نهاية لها. وبذلك، ابقى ماكرون الباب مفتوحاً امام الحزب للعودة الى الطاولة، فتصيب فرنسا عصفورين بحجر واحد: الاول يكون بانقاذ وجه رئيسها وعدم اعلان فشل مبادرته وتحرّكه الشخصي، والثاني ابعاد عقد ​مؤتمر​ دولي لوضع ميثاقٍ لبناني جديد، الى اطول فترة ممكنة، مع العلم انْ لا مفر من الوصول الى مثل هذا الامر في ​المستقبل​، ولكن فرنسا تتمنى ان تكون هذه اللحظة بعيدة، لانها مقتنعة انها ستأتي بعد هزّة كبيرة من المرجّح ان تكون امنيّة وعسكريّة، وستفقدها ربما افضليّتها في ما خصّ الورقة اللبنانيّة.

الضغط الثاني ضمن الخطة "ب" لماكرون، كانت التلويح بأنّه على حزب الله التنبّه من إمكان اعادة خلط الاوراق والتحالفات السياسية الداخلية معه اذا ما قرر الاستمرار في الوقوف في وجه المبادرة الفرنسية وافشالها. ولعل الجواب الأعنف والأقوى والأكثر تأثيراً في المؤتمر الصحافي الذي عقده حول لبنان، كان قوله: "اشعر بالعار" تجاه القادة اللبنانيينوالذي أتى ردًّا عل ىسؤال حول امكان التأثير الايجابي لاي محادثات اميركية-ايرانية على الوضع اللبناني، وكانت رسالته انه سيجمع الدول بعد 20 يوماً لدعم مبادرته ووضع ما يشبه خريطة طريق دوليّة موحّدة متّفق عليها. وبدا الاصرار واضحاً على ماكرون برفض الحكومة السّياسية، لعلمه انّه يجب اولاً احداث صدمة ايجابيّة دوليّة، وثانياً اظهار قدرة فرنسا على اتّخاذ قرارات جذريّة حين يتّصل الامر بانقاذ لبنان، وثالثاً الاثبات للجميع انّباريس تعلم خفايا التركيبة اللبنانية اكثر من اي دولة عظمى اخرى، بحيث لا يجب ضرب احد مكوّنات ​المجتمع اللبناني​ تحت أي سبب، بل العمل على الاعتراف به وجذبه الى الطاولة والحصول على التزامات منه يمكن ​البناء​ عليها.

انّها فترة جديدة يجب على اللبنانيين تحملها، ومع انّ مدة 30 او 50 يوماً قد تبدو طويلة بالنسبة اليهم، الا انها تبقى أقصر من موعد ​الانتخابات​ الاميركيّة، ومن شأنها ان تحمل الخبر اليقين بالنسبة الى التعاطي اللبناني مع المبادرة الفرنسية، فإما اعلان وفاتها نهائياً وتحمّل ما سيستتبع ذلك من مقاربة جديدة لن تكون دبلوماسيّة وسياسيّة، واما ركوب هذه الموجة ومحاولة الحصول على ما يمكن للمرحلة المقبلة وتحسين شروط ايّ عقد جديد قد يحمله المستقبل.