وكما في كل الأزمات التي تصيب الأمم والشعوب، كان للأزمة الإقتصادية في ​لبنان​ منذ منتصف تشرين الأول الفائت التأثير الكبير الذي تدرّج بشكل عامودي من ​السلطة​ إلى المؤسسات فالأفراد. أزمة قلبت حياة الناس رأسًا على عقب مستهدفةً مداخيلهم وقدراتهم الشرائية، لتصيب بالتالي أسلوب حياتهم إصابة مباشرة، باتوا ملزمين بعدها إلى التأقلم مع ظروف لم تعشها عائلاتهم من ذي قبل. هذا الأمر، إضافة للخوف من ​المستقبل​ وما يحمله إليهم من ظروف قد تكون أقسى، ولّد ​حالات​ غير صحّية في التعاطي بين أرباب العائلات وأفراد عائلاتهم لا سيما ​الأطفال​، الأمر الذي وضع المجمتع أمام واقع بات بحاجة لدراسة، لتشخيص ما يحصل وتفنيد أسبابه والعمل على معالجته، إنطلاقًا من أن إقتصاد لبنان دخل في نفق مظلم لم يُعرف حتى ​الساعة​ توقيت وكيفية الخروج منه.

لاحظنا في الآونة الاخيرة ارتفاع حوادث ​العنف الأسري​ ضد الاطفال، واذا ما تناولنا مضمون التعريف فهو مجمل السلوكيات والنشاطات المهددة لأمن الطفل واستقراره النفسي والجسدي او استخدام القوة والحاق الأذى النفسي او البدني به من قبل أبويه او أحد المسؤولين على رعايته. يشمل ذلك الضرب المبرح أو العقاب الجسدي او السخرية والإهانة المستمرة بحقه أو الاهمال في رعايته الصحية والنفسية والاجتماعية والجسدية او استغلاله في أعمال تفوق طاقته.

وفي الحالة اللبنانية الآنية يأتي هذا العنف الذي توّلد نتيجة أسباب عدّة له أساس وجودي غريزي (تبعا ً للمدرسة التحليلية) او مصدر تنشئة اجتماعية (المدرسة السلوكية). فعادة ما يكون الاب المعنف قد نشأ في بيئة تتعامل مع العنف ضد الاطفال على انه أمر طبيعي، كما أنه في الغالب فإن الطفل الذي يتعرض للعنف أثناء طفولته يكون أكثر عرضة لممارسته في المستقبل.

أما بالنسبة لأهم الاسباب الحالية لوجود ظاهرة العنف ضد الاطفال فهي ​الوضع الاقتصادي​ السيئ من حيث الازدياد في اسعار السلع الاساسية منها، وتدني القدرة الشرائية لراتبه، ومشاكل العمل المترتبة عن ذلك الوضع. كل ذلك يرفع من الضغوطات النفسية على الاب التي قد تؤدي الى عدم قدرته على السيطرة على نفسه، فيقوم بتفريغ ضغوطاته وانفعالاته وغضبه بطريقة سلبية وعنيفة.

يتعرض الأب في هكذا ظروف للإحباط والشعور ب​العجز​ و الضعف بسبب عدم القدرة على تلبية حاجات عائلته ومتطلباتها اليومية مما يفوق قدرته على التحمّل، ويسبب نوبات الغضب والذي ينم عنها السلوكيات التعنيفية لاطفاله. هذا وقد تولّد هذه الظروف سلوكيات لم يكن يعهدها الشخص المعنّف نفسه.

ولهذه الحالات تحديدًا يمكن الإستفادة من استخدام بعض هذه الخطوات:

-في حال التعرّض للغضب الشديد يُنصح بمغادرة المكان الذي حدث فيه الموقف المسبب والمستفز لمدّة نصف ساعة أو أكثر.

-تنفيس وتفريغ الإنفعال عبر ممارسة المشي أو مجالسة صديق مقرّب من أجل الشعور بالإرتياح.

-استخدام طريقة العد ببطء أو التنفّس بعمق.

-استخدام ​الخيال​ واستحضار أفكار تدفع على الإسترخاء والسعادة.

وفي حال صعوبة السيطرة على الغضب يُنصح باستشارة معالج نفسي.

بعد الهدوء، يفضّل شرح سبب العصبية الزائدة من الأب لأطفاله مع التطرّق إلى الظروف المعيشية المستجدة والقيام بمقارنات بين اليوم والأمس وطلب المساعدة من أبنائه للتأقلم مع الوضع الجديد من خلال تفهّم تعديل نمط ​الحياة​ عبر الإستغناء عن بعض الطلبات غير الضرورية، وذلك بأسلوب مبسّط يتناسب مع أعمارهم.

ببساطة، لا يمكن للأب أن يتصوّر نفسه في مظهر العاجز، فيسعى البعض القليل نحو تعويض الشعور بالقوّة من خلال استضعاف أبنائهم، فيما يذهب آخرون نحو التعبير بغضب وتوتّر عاليين تجاه مواقف قد تبدو عادية جدًا. الحل المنطقي يتجسّد بتوعية الطرفين، الأهل والأبناء، لمداراة بعضهما البعض ورفع منسوب التأقلم مع الظروف ​الجديدة​ وأسلوب الحياة غير المعتاد من قبلهم، لتقطيع المرحلة من خلال الحفاظ على الصحّة النفسية للأطفال من جهة وعدم استفزاز الأهل من جهة أخرى. كل هذا يتبدّد في حال تحمّلت ​الدولة​ مسؤوليتها في الحفاظ على مستوى معيشي مقبول وقدرة شرائية لا تتآكل مع الأيّام ومعدّلات دخل منصفة.