بعد اعتذار رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب عن الاستمرار بمهمته، كانت معظم القوى السياسية تنتظر المواقف التي سيطلقها الرئيس الفرنسي ​ايمانويل ماكرون​ للبناء عليها، لا سيّما بعد أن قررت ​باريس​ الدخول على خطّ ​الأزمة​ المحلّية بشكل مباشر، عبر لعب دور الوسيط، بين القوى المحلية والخارجية المتصارعة.

وفي حين كانت ​فرنسا​، طوال الفترة الماضية، تتولّى التواصل مع الجهات المحلّية للتوصل إلى حلّ مقبول من الجميع، كانت القوى الخارجيّة ترسل لها أكثر من رسالة سلبيّة، حيث تولّى وزير الخارجيّة الأميركيّة مايك بومبيو قيادة حملة اعلامية تستهدف رؤية باريس للعلاقة مع ​إيران​ و"​حزب الله​"، بينما كان الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز حاسماً في المواقف التي أطلقها، من دون تجاهل النظرة غير الايجابيّة التي كانت لدى ​طهران​ من الحضور الفرنسي في ​بيروت​.

في مؤتمره الصحافي، سعى الرئيس الفرنسي إلى تجاوز المواجهة مع الجهات الدوليّة، إلا أنه ذهب إلى تصعيد غير مسبوق في الاتّهامات التي توجه بها إلى "حزب الله"، الأمر الذي يناقض ​السياسة​ المعتمدة من قبل باريس في العلاقة مع الحزب، بالرغم من تطرّقه بشكل عام إلى دور كل القادة السياسيين.

انطلاقاً من ذلك، ترسم مصادر سياسية مطلعة، عبر "​النشرة​"، صورة تشاؤميّة لمسار الأزمة الحكوميّة، لا سيما أنها لا تتوقع من قيادة "حزب الله" أن ترفع السقف كما فعل ماكرون لجهة الاتهامات التي ساقها ضد الحزب، الأمر الذي من المفترض أن يظهر بشكل واضح خلال كلمة أمين عام الحزب مساء غد الثلاثاء، في حين أن الرئيس الفرنسي كان قد ذهب بعيداً في تمديد مهلة مبادرته إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركيّة، نظراً لإدراكه أن جميع الأفرقاء ينتظرون نتيجة هذا الاستحقاق.

وفي حين ترى هذه المصادر أن المبادرة الفرنسية باتت معلّقة، بانتظار وضوح الصورة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، ترسم مجموعة من السيناريوهات لما يمكن أن يحصل في الفترة الفاصلة منذ اليوم وحتى موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، بعد التأكيد أن فرص نجاح الدور الفرنسي في ​لبنان​ باتت أصعب بعد اعتذار أديب واتهامات ماكرون تجاه "حزب الله".

السيناريو الأول، يقوم على فرضيّة ذهاب قوى الأكثرية النيابية إلى تشكيل حكومة من لون واحد تتولّى إدارة البلاد في المرحلة المقبلة، لا سيّما إذا ما شعرت بوجود تحولات كبرى تتطلّب ذلك، أو الذهاب إلى تكليف شخصيّة جديدة من دون أن تذهب الى تقديم أيّ ​تشكيلة حكومية​، بعد أن أعاد اعتذار أديب الورقة التي كانت بيد رؤساء الحكومات السابقين إلى قوى الأكثريّة.

من وجهة نظر المصادر نفسها، هذا السيناريو مستبعد في الوقت الراهن، نظراً إلى أن "​التيار الوطني الحر​" لن يوافق على الدخول فيه، في ظلّ استمراره بالرهان على الدور الفرنسي وعدم رغبته بالدخول في مواجهة مباشرة مع الجانب الأميركي، كما أن رئيس الجمهوريّة ​ميشال عون​ يفضل العودة إلى معادلة التأليف قبل التكليف.

السيناريو الثاني يقوم على فرضيّة عودة الحياة إلى المبادرة الفرنسيّة بطريقة أو بأخرى، إلا أن هذا يتطلب بشكل أساسي تجاوز "حزب الله" الاتّهامات التي توجّه بها ماكرون إليه في خطابه.

وفي حين يبدو هذا السيناريو مستبعد أيضاً، نظراً إلى أن العراقيل التي حالت دون نجاح أديب في انجاز مهمته لا تزال قائمة، تدعو المصادر السياسية المطلعة إلى عدم تجاهل الطرح الذي كان قد تقدّم به رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، أيّ تشكيل حكومة من 20 وزيراً: 14 تقنياً و6 وزراء دولة سياسيين موزعين على الطوائف، لا سيما أنه جاء بعد حديث قناة "روسيا اليوم" عن اتصال هاتفي جرى بين الرئيس الفرنسي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أشارت فيه إلى إعادة طرح اسم سعد الحريري كنقطة توافق.

أما السيناريو الثالث، التي تؤكد هذه المصادر أنه الأكثر ترجيحاً بعد المسار الذي سلكته الأحداث، فيقوم على استمرار الواقع على ما هو عليه، أيّ بقاء حكومة تصريف الأعمال الحاليّة برئاسة حسّان دياب إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، بالتزامن مع تصاعد المواجهة السياسية على نحو كبير، بالرغم من أن الأوضاع المحلية لم تعد تحتمل أيّ تأخير على هذا الصعيد.

في المحصّلة، أدّى تداخل العديد من العوامل الداخلية والخارجية إلى تعقيد الأزمة اللبنانية أكثر، الأمر الذي يستحقّ التوقف عنده في ظلّ حالة الانهيار التي تشهدها البلاد على كافة المستويات، ليبقى الرهان على حصول تطور، غير متوقع حتى الآن، يعيد الأمور إلى مسارها الصحيح.