أوحت المناظرة الإنتخابية الأميركية الأولى بين رئيس الولايات المتحدة ​دونالد ترامب​ ومنافسه المرشح الديمقراطي ​جو بايدن​ أن الحماوة ستكون الآن عنواناً رئيسياً، في كل مساحة ترتبط بتغيير او تعديل مسار الإنتخابات أو التأثير على توجّه الناخبين الأميركيين. لذا، لا يمكن في حسابات ترامب إستبعاد إتخاذ أي قرار يخدم حملته الإنتخابية، لو إستلزم الأمر شن حروب أو إنجاز تسويات.

يمكن الإستنتاج بسهولة أن الرئيس الأميركي يقاتل بكل وسائله، ويستخدم جميع الإمكانيات المتاحة له للبقاء في ​البيت الأبيض​. فأين نحن؟ وهل يطالنا صدى المعادلة الإنتخابية الأميركية؟.

تبدو الساحة الإقليمية في أولويات جدول أعمال ترامب، ومن هنا جاء سعيه المتواصل للتعويض عن مشروع "صفقة القرن" بمحطّات التطبيع العربية مع تل أبيب. لا تكفي وحدها، في وقت يحاول فيه ترامب جذب كل الأميركيين-ال​إسرائيل​يين إليه، بإعتباره الرئيس الأميركي الأقوى في خدمة اللوبي الإسرائيلي. لذا، تبدو إيران ومعها ​العراق​ وسوريا ولبنان في صلب المعادلة الإنتخابية الأميركية.

لم يستطع سيد البيت الأبيض أن يستفزّ الإيرانيين، رغم كل خطط وزير خارجيته ​مايك بومبيو​. ولم تنجح تل أبيب في جر ​طهران​ على حرب تريدها إسرائيل لسحق التمدد الإيراني في ساحات الإقليم. يريد الإسرائيليون تقليم أظافر طهران بالتزامن مع ضربات عسكرية أميركية لنسف الطموح ​النووي الإيراني​ وإجبار طهران على طلب تسوية الخاسر مع ​واشنطن​. لكن ايران تعرف أن مجاراة تل ابيب وواشنطن سيجرها إلى حيث يريد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي ​بنيامين نتانياهو​.

وبما ان الحرب الأميركية مستبعدة ضد إيران، يبدو ان هناك سيناريوهات أخرى تحصل:

اولاً، ممارسة مزيد من الضغوط على حزب الله، ليس فقط من خلال العقوبات والحصار، بل كما بدا في مضمون كلام نتانياهو بشأن وجود مخازن للصواريخ، بأنه يسعى الى ضرب أماكن في لبنان يستهدف عبرها جر الحزب الى رد عليه، ثم تكرّ بعدها المحطّات العسكرية.

تأتي هذه الضغوط بموازاة حرب سياسية تُشن ضد الحزب وحلفائه في لبنان تحت عنوان تعطيل تأليف الحكومة وتحميلهم مسؤولية الأزمات الإقتصادية في البلد. وهو ما ردّ عليه الأمين العام لحزب الله ​السيد حسن نصرالله​.

ثانياً، لا يقتصر الضغط هنا، بل يصل الى حد إستنهاض "داعش" مجدداً، في العراق وسوريا وشمال لبنان. فلماذا إعادة إحياء مجموعات متطرفة لهز الإستقرار النسبي لتلك الدول الآن؟ لا يكفي القول إن اللحظة مؤاتية لخروج الدواعش من ملاذاتهم الآمنة؟ هناك قطبة لم تعد مخفية بتوقيت لعبة التطرف.

ثالثاً، هز الإستقرار في عدد من الدول المحيطة بإيران، كما يبدو من خلال معارك آذربيجان-أرمينيا، وما جرّته الأحداث من تدخلات دولية واضحة.

رابعاً، ضخ الحياة في المشاريع النفطية الكردية شمال وشرق سوريا، من خلال اتفاقيات وصفقات بين الكرد وشركات أميركية، لطمس الكلام الأميركي عن مغادرة تلك المناطق السورية.

خامساَ، إشتعال المواجهات غير المباشرة في العراق التي وصلت الى حدود استهداف السفارة الأميركية في بغداد، ونفي طهران مسؤوليتها، في ظل نزاع إيراني-أميركي مفتوح في العراق لا يمكن معرفة نتائجه، رغم محاولة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي البقاء في نقطة وسطية وسيطة.

كل ذلك يشير الى أن الأسابيع الفاصلة عن موعد الإنتخابات الأميركية ستكون حامية. فهل يمكن أن يشهد لبنان ولادة حكومية خلالها؟. الإستنتاج الواضح ان الفرنسيين مددوا مساحة مبادرتهم الزمنية الى ما بعد الإنتخابات لعلمهم أن التسوية الآن في ساحات الإقليم مستحيلة، وأفضل ما يمكن تحقيقه هو الجمود والإنتظار في ظل حماوة قد تولد اشتعالات.