تطرقنا في مقال سابق الى عمليات تهريب ​البنزين​ من ​لبنان​ الى سوريا، واشرنا الى وجود 3 وسائل رئيسية، في الصهاريج، في السيارات وعبر الدراجات النارية، وفي هذا المقال سنحاول الإضاءة على أسباب عدم وجود المحروقات في مناطق ​الجنوب​، الامر الذي ينطبق نفسه على محطات البقاع.

في ملف المحروقات، ينفصل الجنوب اللبناني عن باقي المناطق، فهو من تشهد محطاته الأزمة اولا، ولعله في الأسابيع القليلة الماضية عانى الامرّين بسبب ذلك، الى درجة باتت فيها أيام عدم وجود أزمة هي الاستثناء، لماذا؟.

لا وجود للتهريب في الجنوب، تقول مصادر متابعة لملف المحروقات، مشيرة الى أن السبب العام هو نفسه في كل لبنان، بسبب تقصير ​المصرف المركزي​ في فتح الإعتمادات لشراء المحروقات، علما انّه يؤمن 90 بالمئة من دولارات الاستيراد على سعر الصرف الرسمي، مشددة على أن هذه المشكلة تؤثر على مخزون المحروقات في جميع أنحاء الوطن، بحيث لم يعد ممكنا تأمين الاحتياجات بشكل كامل، وما يجري اليوم هو تغطية حوالي 70 بالمئة منه، وبالتالي فإن الازمة ستتكرر مرارا في الشهر الجاري، الذي سيشهد بنهايته بدء رفع الدعم تدريجيا عن المحروقات، الأمر الذي لن يؤدي الى ارتفاع ​أسعار المحروقات​ فقط بل الى انقطاعها.

ولكن فيما يعني الجنوب والبقاع أيضا، هناك سبب آخر خاص بهما، وهو امتناع بعض شركات المحروقات عن تسليم المحطّات أيّ كمّية وقيام بعضها بتوزيع ربع الكمية المطلوبة فقط.

بالنسبة الى الفئة الاولى، فتشير المصادر الى وجود عدد من الشركات قرر منذ فترة الهروب من التعامل مع جميع المحطّات التي تنتمي الى ​حزب الله​ أو يُشتبه بعلاقاتها معه، وذلك خوفا من العقوبات في أيّ مرحلة مقبلة. وتضيف: "تشعر هذه الشركات بالخوف خصوصا أن التعامل في ملف المحروقات يجري عبر ​الدولار​، وبالتالي تخشى من ورود اسمها على لائحة المتعاملين مع هذه المحطّات بالمستقبل، ويتمّ التعاطي معها على أنها متعاونة مع الحزب ماليًّا"، مشددة على أن العقوبات الاخيرة على الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس والحديث عن مزيد من العقوبات، جعلت الشركات تتشدد أكثر.

اما الفئة الثانية فهي تتعاطى بملف المحروقات من وجهة سيّاسية، وهي تريد المساهمة بزيادة الضغوط على بيئة حزب الله ومجتمعه، لذلك يتم تزويد محطّات الجنوب والبقاع بربع الكميات التي يحتاجها السوق، ما يجعلها تفتح أبوابها لمدة 24 الى 48 ساعة اسبوعيا قبل أن تفرغ خزّاناتها.

كذلك هناك بعض الاسباب الاخرى التي تساهم بتعميق ازمة المحروقات في الجنوب، فيعمد مواطنون يخشون فقدان المواد، الى تخزينها، وهذا الامر بدأ مع ​المازوت​ منذ شهرين، ووصل اليوم الى البنزين.

تكشف المصادر أن أزمة البنزين لن تبقى محصورة في الجنوب، بل ستمتد مكتملة الشروط على مساحة كل لبنان، وذلك بعد أسبوع على رفع الدعم ولو تدريجيا، مشيرة الى ان الشركات عندما يحصل هذا الأمر ستحتاج الى الدولارات لشراء المحروقات، وهي غير متوافرة لدى الصيارفة ولا ​المصارف​، وستلجأ الى السوق السوداء لشرائها، الامر الذي سيرفع سعر صرف الدولار الى مستويات قيّاسية تجعل صفيحة البنزين تصل الى أرقام خيّالية ربما تفوق الـ150 ألف ليرة، وعندها لن يكون امام الشركات الا خيار وقف الإستيراد.

أزمات على مدّ النظر، ماليّة، اقتصاديّة، وسيّاسية أيضا، والمتضرّر الأكبر في كل ما يجري هو المواطن اللبناني.