فتح اعلان رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ عن اتفاق اطار ل​ترسيم الحدود​ البرية والبحرية بين ​لبنان​ و​اسرائيل​، المجال واسعاً امم الكثير من التعليقات والمواقف والتحليلات في الداخل والخارج، ومن الطبيعي ان تنقسم الآراء حوله نظراً الى توقيته ومضمونه والجهة التي سيتم التفاوض معها. وفيما رأى فيه بري وغيره ان من شأن هذا الامر التمهيد لانقاذ لبنان من ديونه والازمة الاقتصادية والمالية التي يعيشها، كان التشكيك في المقابل كبيراً حول هذا الهدف، وتم التركيز اكثر على ناحية المكاسب السياسية والمالية لكل الاطراف المعنية واللاعبين المحليين في كل من لبنان واسرائيل و​الولايات المتحدة​. ومن البديهي الا يتطرق الشكّ الى ​الامم المتحدة​ كونها، كما دائماً، ستكون ضيف الشرف في جلسات المفاوضات والغطاء الشرعي الذي يسمح بلقاء مفاوضين من لبنان واسرائيل بادارة اميركية غير معلنة.

واذا ما تطرقنا سريعاً الى المستقيدين من هذا الوضع في كل من اميركا واسرائيل، نجد ان الادارة الاميركية الحالية تلقت زخماً اضافياً واعترافاً بقدراتها العملية فيتقريب العرب من اسرائيل، ولو ان المسألة هنا تختلف بشكل جذري عن اتفاق التطبيع الذي تم توقيعه بين اسرائيل وكل من الامارات والبحرين. ولكن، لا يمكن نكران ما تعتبره الخارجية "انجازاً" لها باعتماد الولايات المتّحدة كوسيط بين الطرفين اولاً (الامر الذي يضفي شرعية على وجودها وقدرة كبيرة على التحرك والاستفادة من اي نتائج مباشرة لاي اتفاق سيحصل، من خلال تزكية شركات اميركية وتوسيع نفوذها، ودحض كل ما يقال من قبل اللبنانيين وتحديداً الثنائي الشيعي عن كونها وسيط غير نزيه ولا يمكن الوثوق به).

اما من ناحية اسرائيل، فأيّ خبر سيكون افضل بالنسبة الى الاسرائيليين من انّ ​حزب الله​ سيلتزم بأيّ اتفاق حدودي سيتم ترسيمه، وسيخرج رئيس الوزراء الحالي ​بنيامين نتانياهو​ كبطل، لانه بالنسبة اليهم، استطاع ان يؤمّن لهم ما لم يؤمّنه كل الزعماء الذين سبقوه، ومن المعلوم ان أيّ اتفاق مع لبنان في أي مجال، له طعم خاص يفوق بكثير طعم الاتفاقات المبرمة مع أيّ دولة عربية اخرى.

ويبقى معرفة المستفيدين من لبنان من هذا الاعلان وتداعياته. للوهلة الاولى، ينظر الجميع الى أنّ الامر لا خسارة فيه، وان الفوز وحصد الثمار يعود لكل لبناني لأيّ طائفة انتمى، وفياي منصب يتولاه. ولكن، بما ان لبنان هو البلد الوحيد الذي تكون فيه حسابات الربح والخسارة مختلفة عن كل العالم، يجدر التوقف عند بعض النقاط: دار صراع خفيّ بين رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ وبري حول الصلاحيّات التي يحقّ من خلالها لكل منهما تولي المفاوضات، وفي حين سلّم بري بأن الامر منوط برئيس الجمهورية وبالجيش اللبناني، فإنّ مجرد اعلانه عن الامر كان رسالة لا لبس فيها بأنّ الثنائي الشيعي هو الذي حضّر الارضيّة لاتفاق الاطارهذا، وانّ بري هو من عمل عليه لسنوات ولا يمكن لأحد ان يسلب منه هذا "الانجاز"، وان انقاذ لبنان من الوضع الذي يتخبّط به سيكون بفضل هذا الثنائي بعد ان كانت اصابع الاتهام مصوّبة عليه في تحميله مسؤولية ما آلت اليه الاوضاع. اما المشكلة الاكبر، فتكمن في انّ الصراع سيأخذ منحى اقسى بكثير، لان المفاوضات الجدية ستبدأ في 14 تشرين الاول، وبالتالي سيكون عون في الواجهة لتحمّل عبء ايّ هفوة او تراجع او فشل، وعندها سيقال ان برّي سلّم عون فرصة على طبق من ذهب وافسدها الاخير الذي سيتعرض لحملة قاسية من الداخل على دوره وعدم قدرته على ادارة المفاوضات كما يجب. اما في حال نجحت المفاوضات والتي تستغرق وقتاً غير قصير، فسيحتفظ بري بأفضليّة تلقي التقدير، فيما سيتصارع الباقون على اكتساب نسب النجاح بدءاً من عون وصولاً الى زعماء ورؤساءالاحزاب والتيارات السياسية.

وسيكون حزب الله وامل "منتصرين" في معركتهما الدبلوماسية الخارجية، بعد الاتهامات التي وجهها اليهما الرئيس الفرنسي ​ايمانويل ماكرون​، والحملة الاقتصاديّة القاسية التي عانى منها لبنان جرّاء العقوبات والحصار الذي فرضته واشنطن على حزب الله، ليظهر انهما فعلاً من ابرز اللاعبين المحليين ولا يمكن لاي احد اقصاءهما عن اي معادلة داخلية.

حسابات وتوقعات وتحليلات متضاربة، تعطي "اتفاق الاطار" المذكور صفتين متناقضتين: طوق نجاة للبنان من ازمته، او طوق قيود يمنعه من التصرف بحرّية في كثير من المواضيع، والايام المقبلة ستكون كفيلة بتوضيح هذا الغموض.